إعلان ترامب وقف إطلاق النار مع اليَمَن يقابله تصعيد على جبهة تل أبيب صنعاء، ما هي أسباب ذهاب واشنطن نحو مفاوضات مع صنعاء بمعزل عن إسرائيل ومن دون علمها بذلك؟

بقلم _  إسماعيل النجار

 

 

بتاريخ 19 أوكتوبر 2023 أعلنت صنعاء بداية فرض حصار بحري على إسرائيل وحذرت كافة السفن العابرة والمتوجهة إلى موانئ الإحتلال بأنها ستكون عُرضَة للقصف أو المصادرة، الأمر الذي إستنفر واشنطن وحلفائها الأوروبيين ووجهوا تهديدات عالية النبرة لليمن، ولكن حكومة صنعاء لم تلتفت لتلك التهديدات واستمرت باعتراض أي سفينة ترفع العلم الإسرائيلي أو متجهة إلى موانئ الكيان،

دخلت أميركا وحلفائها الحرب مع اليمن تحت شعار تأمين سلامة الملاحة البحرية، فما هي إلَّا شهور قليلة حتى أصبحت أميركا نفسها عاجزة عن حماية سفنها وحاملات طائراتها بعدما فرطَ عقد التحالف الذي شكلته مع عدة دوَل عربية وأوروبية،

إشتدَّ وطيس المعركة بين القوات اليمنية والبحرية الأميركية التي لَحِقَ بها أضرار جسيمة ولم تقوَىَ أميركا على تحملها، فكانت المفاوضات السرية مع صنعاء بوساطة عُمانية هي الحل الأوحد، وبالفعل نجحت المفاوضات التي لم تكُن إسرائيل تعلم بها، فاتفقَ الجانبان على وقف إطلاق النار وجاء هذا الإتفاق نتيجة توازنات عسكرية فرضتها الصواريخ اليمنية على سطوح حاملات الطائرات والمدمرات، فاستجابت الولايات المتحدة لطلب الحوثيين بوقف القصف على اليمن مقابل تعهدهم بوقف الهجمات على صنعاء والإتفاق هذا لا يشمل السفن الإسرائيلية أو المتجهة نحو مياه فلسطين، وفي ظل ضغوط دبلوماسية إقليمية،

ومن خلال بعض التسريبات التي خرجت للعلن أنه رغم دعم إيران العسكري والتقني للحوثيين، فإن الاتفاق مع ترامب جاء في إطار دبلوماسي مستقل بين واشنطن والحوثيين عبر وساطة عمانية، وليس عبر تدخل إيراني مباشر والهدف منه تخفيف أكبر قدر ممكن من الأضرار التي تلحق بالبحرية الأميركية وتخفيفاً للتصعيد في المنطقة،

الإتفاق ينص على وقف استهداف الطرفين لبعضهما البعض فقط، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مما يضمن حرية الملاحة وحركة الشحن التجاري الدولي ما عدا الملاحة نحو موانئ إسرائيل،فهذا الاتفاق جاء بعد تصعيد حوثي استهدف سفن أميركية ومدمرات وحاملات طائرات أُخرِجَ منها أربعة من الخدمة وعدة مدمرات مرافقه لها،

للإتفاق تأثير كبير على إسرائيل يتمثل في

تراجع الدعم الأمريكي المباشر لها، حيث أعلن ترامب وقف القصف الأمريكي عليهم مقابل وقفهم استهداف السفن الأمريكية، وهو ما اعتبره محللون إسرائيليون تخلياً عن “الخط الدفاعي الأول” لإسرائيل في البحر الأحمر.

أيضاً الإتفاق فرض واقع جديد في البحرين الأحمر والعربي، والحوثيون إلتزموا بعدم استهداف السفن الأمريكية فقط، لكنهم يواصلون فرض حظر على إسرائيل ودعم غزة، مما قد يحد من حرية تحركها في هذه المنطقة الاستراتيجية.

أيضاً تم تغيير قواعد الاشتباك الإقليمي برُمَّته، لأن هذا الإتفاق يعيد رسم قواعد الاشتباك في البحر الأحمر بما لا يتوافق بالضرورة مع مصلحة الكيان الغاصب، ويعكس تبايناً في المواقف بين واشنطن وتل أبيب بشأن التعامل مع الحوثيين.

وبالتالي فإن الاتفاق يضعف الدور الأمريكي في حماية المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر ويعزز من قدرة الحوثيين على فرض نفوذهم في المنطقة، مما يشكل تحدياً جديداً لتل أبيب في ظل استمرار دعم الحوثيين لغزة ومحور المقاومة، إذاً ما هو المتوقع أن يحصل على صعيد التصعيد بين صنعاء وتل أبيب بعد وقف إطلاق النار الذي أعلنته واشنطن؟،

برأي المراقبين قد لا يبدو أن هناك احتمالًا كبيراً لصعود في سلم الاشتباك بين اليمن وإسرائيل، بل العكس، المؤشرات تؤكد على استمرار المواجهة بين الطرفين بحدود معينة، والحوثيون سيبقون مستمرون في استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ والطائرات المسيرة، ويرون أن هذه العمليات هيَ جزء من دعمهم للقضية الفلسطينية، وإسرائيل بدورها تعترف بأن المواجهة مع اليمن ستطول وتتطلب موارد كبيرة، ولا تعتمد بشكل كامل على الدعم الأمريكي أو الغربي، ما يشير إلى أن الجبهة اليمنية ستبقى نشطة لكنها قد تكون في إطار استنزاف وليس تصعيد شامل. من جهة أخرى إن إعلان وقف إطلاق النار من قبل واشنطن جاء بناءً على رغبتها في التهدئة، لكنهم أكدوا استمرار العمليات ضد إسرائيل حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ورفع الحصار عنها، ومن جهتهم الحوثيون أعلنوا عن مراحل جديدة في دعمهم للقطاع واستهداف تل أبيب، مع تأكيدهم أن الردع الإسرائيلي قد تآكل، مما يعني أن المواجهة قد تستمر لكن ضمن معادلات حديثة الولادة، وبالتالي رغم وقف إطلاق النار الأمريكي، فإن الاشتباك سيستمر على مستوى العمليات العسكرية المحدودة والمتبادلة، مع احتمالية عدم تصعيد شامل في الوقت الراهن، لكنه قد يتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

 

بيروت في ،، 7/5/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى