ازمة المياه / 2 مفهوم “المياه كسلاح” وأبعاده التاريخية

بقلم _ قاسم الغراوي

رئيس مركز انكيدو للدراسات

يُعرَّف استخدام المياه كسلاح (Hydraulic Warfare) بأنه الاستغلال المتعمَّد للموارد المائية لتأخير أو إضعاف الخصم سواء عبر الحصار أو الفيضان المتعمَّد أو السيطرة على البنية التحتية للمياه. رغم أنَّ التاريخ يظهر أنَّ لهذا الاستخدام أثرًا محدودًا عسكريًا في غالب الأحيان، إلا أنَّ المدنيين كانوا الضحية الأبرز، حيث تترك الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية مآسي طويلة الأمد بعد انتهاء الأعمال العدائية .

 

أمثلة على استخدام المياه كسلاح في النزاعات المعاصرة:

۱. أزمة سد النهضة الإثيوبي

أثار مشروع سد النهضة الكبير (GERD) على نهر النيل الأزرق توترات بين إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان، وبلغ الأمر حد المطالبة بربط الملء باتفاق قانوني يضمن الحصص المائية العادلة. تملُّك إثيوبيا ميزة استراتيجية من خلال بدء الملء الأحادي الجانب، ما دفع مصر لرفع نداء دولي للتدخل وللتوسط في المفاوضات الفنية والسياسية .

 

۲. صراعات بحيرة تشاد

يعد حوض بحيرة تشاد نموذجًا لتحوّل ندرة المياه إلى عامل فاعل في إشعال النزاعات العنيفة، ليس بين الدول وحدها (تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر) بل أيضًا مع الجماعات المسلّحة مثل “بوكو حرام”. توليفة التغير المناخي وجفاف البحيرة أدَّت إلى نزوح الملايين، وأصبح التنافس على البقايا المائية مصدرًا للصدام على المستوى المحلي والإقليمي .

 

۳. حوض دجلة والفرات في العراق

ينبع نهرا دجلة والفرات من تركيا وسوريا قبل دخولهما الأراضي العراقية، ما منح دول المنبع ورقة ضغط جيوسياسية ذات آثار اقتصادية وأمنية. أظهرت بيانات حكومية عراقيّة أن مستويات المياه في المدن الرئيسة هبطت بنحو 40% خلال السنوات الخمس الماضية بسبب بناء السدود في تركيا وإيران، مما فاقم أزمة الجفاف والخسائر الزراعية وتهديد رعاية الثروة الحيوانية، كما انعكس ذلك على تراجع أعداد الجاموس من 150,000 عام 2015 إلى أقل من 65,000 في 2025 .

 

التوصيات لضمان العراق لامنه المائي

1- وضع استراتيجية وطنية متكاملة: تشمل تحديث شبكات الريّ بالطرق الحديثة وإعادة تأهيل القنوات لمنع الهدر المائي والعمل على إعادة استخدام مياه الصرف الصناعي والزراعي حيثما أمكن .

2-تعزيز الشراكات الدولية: العمل مع المنظمات الدولية لتأمين التمويل والتقنيات اللازمة، إضافةً للضغط الدبلوماسي المشترك مع سوريا وتركيا وإيران لضمان الحدّ الأدنى من التصريف المضمونة.

3-مشروع قومي لإدارة الموارد المائية: يؤسس لهيئة عليا تضم خبراء من مختلف التخصصات لوضع معايير لاستثمار المياه في الزراعة والصناعة وتوليد الطاقة، مع خطّة عاجلة لإعادة تشجير حوضي دجلة والفرات للحدّ من التصحر والتبخر.

 

في ظلّ النمو السكاني المتسارع وتفاقم التغيرات المناخية، باتت المياه ليست موردًا حيويًا فحسب، بل أيضًا مرتكزًا للأمن القومي والاستقرار الإقليمي. وإذا ما فشلت الدول المشتركة في الأنهار العابرة للحدود في الصمود أمام إغراءات السلاح المائي، فقد نحيا حقبة “حرب المياه” القادمة التي ستعيد رسم خريطة التحالفات والصراعات في منطقتنا والعالم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى