وقف العدوان الأمريكي على اليمن الدلالات والأبعاد
بقلم _ محمد علي الحريشي
من المعروف أن المواقف السياسية الأمريكية تجاه كيان العدو الصهيوني هي من الأولويات الثابتة في السياسة الأمريكية، وذلك منذ نشأة كيان العدو في أرض فلسطين عام 1948،عاد الرئيس الأمريكي «ترامب» إلى البيت الأبيض في واشنطن وهو متحفزاً لتحقيق شيئاً ما لخدمة للوبي اليهودي الصهيوني داخل أمريكا وخدمة دولة اليهود في فلسطين المحتلة، لقد إستلم «ترامب» قبل دخوله البيت الأبيض في واشنطن في دورته الرئاسية الثانية ملف «القضاء على الحوثيين»، لمايمثله ذلك الملف من أهمية لدى اللوبي الصهيوني في المستقبل الأمني والوجودي لدولة «إسرائيل». الرئيس «ترامب» وضع ملف القضاء على الحوثيين كقوة سياسية وعسكرية صاعدة ومتنامية في منطقة الشرق الأوسط في سلم أولوياته، وكان إصداره قراراً بضم «حركة أنصار الله» في قائمة الإرهاب، هو تدشين لمرحلة أولى فقط يهيىء بها الدخول الأمريكي والإقليمي والدولي إلى مراحل تالية من مخطط القضاء قوة مقاومة في اليمن، توالت الأحداث وتراجعت حكومة الكيان الصهيوني عن إتفاق وقف العدوان على غزة،وشنت حرب المجازر والتجويع على أهل غزة، فعاد اليمن بفرض الحصار البحري على ميناء أم الرشراش وعاد بقصف العمق الصهيوني، وهنا نفذ الرئيس الأمريكي الفصل الثاني من مخطط القضاء على «الحوثيين» بشن العدوان العسكري على اليمن، كانت التوقعات الأمريكية أن القيادة اليمنية سوف تطلب وقف العدوان الأمريكي من الأسبوع الأول من بدايته، وذلك مقابل وقف الحصار اليمني البحري على كيان العدو ووقف قصفه بالطيران المسير والصواريخ الباليستية، من هنا كانت الإدارة الأمريكية سوف تضع شروطاً جديدة على اليمن مقابل وقف الضربات العسكرية، وهي إشتراط نزع سلاح الطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة، كونها تهدد أمن المنطقة وأمن الملاحة الدولية في باب المندب والبحرالأحمر،ولايمكن لأمريكا وقف ضرباتها العسكرية على اليمن إلا بزوال الخطر الذي يهدد الملاحة التجارية في البحر الأحمر، هكذا بنى الرئيس الأمريكي مخططاته في القضاء على القوة العسكرية اليمنية، ومن غير المستبعد إن كيان العدو وأنظمة عدد من الدول الخليجية خاصة النظام السعودي والنظام الإماراتي كانت محفزة وداعمة ومشجعة للعدوان الأمريكي على اليمن، شجعهم في ذلك الأحداث التي وقعت في سوريا وماحصل في لبنان من تغيرات سياسية في هرم السلطة اللبنانية وتحييد حزب الله ، كانت تلك الأحداث مشجعة لأمريكا وكيان العدو الصهيوني والنظامان السعودي والإماراتي للإنقضاض على «الحوثيين»، لإستكمال تفكيك قوى محور المقاومة، الذي شكل الهاجس الأمني لأنظمة السعودية والإماراتية ولدولة كيان العدو المحتل.
يتضح إن العدوان الأمريكي على اليمن لم يكن بسبب تهديد طريق الشحن البحري كما زعمت أمريكا، بل كان العدوان فصلاً من فصول سيناريوهات ومخططات أمريكية وصهيونية كبيرة، وهي القضاء على قوى محور المقاومة وتأمين الوجود الصهيوني في الأرض المحتلة والتمهيد لإستكمال مخططات المشروع «الإبراهيمي»، الذي حمله الرئيس الأمريكي «ترامب» في فترة رئاسته الماضية والذي قطع منه شوطاً بتطبيع العلاقات بين حكمومة كيان العدو ومشيختي البحرين والإمارات، حمل الرئيس «ترامب» ملف التطبيع «الإبراهيمي» في فترة رئاسته الحالية ليكتمل مشروع التطبيع مع النظام السعودي والنظام القطري ومع بقية الأنظمة العربية تباعاً. يدرك الرئيس «ترامت» وكيان العدو وحكومات مشيخات الخليج إن نجاح مخططات المشروع «الإبراهيمي» مرتبطة بالقضاء على قوى محور المقاومة، هذا هو مخطط العدوان الأمريكي على اليمن، حتى لو إفترضنا إن القيادة والحكومة اليمنية في صنعاء، أعلنت فك حصارها البحري على«إسرائيل» وأعلنت توقف القصف الصاروخي والطيران المسير عليها من قبل مرحلة العدوان الأمريكي، لما قبلت الإدارة الأمريكية بذلك الموقف، لأنها لاتريد وجود أي قوة عسكرية لليمن تكون قادرة على بسط السيطرة على باب المندب، ومن ضمن المخططات الأمريكية في العدوان على اليمن في حال حققت الأهداف التي تطمح في تحقيقها من العدوان، هي فرض الشروط والرؤى الأمريكية في مفاوضاتها مع إيران، مثل فرض شروط تفكيك البرنامج النووي الإيراني وتفكيك وتدمير البرنامج الصاروخي وقطع العلاقات الإيرانية مع قوى محور المقاومة، وعلى هذه الأحلام الوردية، عاش رئيس وزراء العدو الصهيوني«بنيامين ناتنياهو» وأركان حكومته اليمينية المتطرفة في وهم تحقيق حلم دولتهم التلمودية الصهيونية، بالتمدد من النيل إلى الفرات، ولحصد نتائج العدوان الأمريكي على اليمن، في حال تحققت الأهداف الأمريكية من العدوان، لذلك شاهدنا الإمتعاض الشديد وخيبة الأمل الكبرى التي حلت برئيس وزراء العدو الصهيوني وحكومته اليمينية المتطرفة، عندما تحطمت أحلامهم الوردية بهزيمة اليمن وهزيمة إيران، عندما إستدعى الرئيس الأمريكي « ترامب» رئيس وزراء العدو الصهيوني «ناتنياهو» إلى واشنطن قبل عدة أسابيع، لم يكن ذلك الإستدعاء غير إخطار من الإدارة الأمريكية لحكومة كيان العدو بفشل مخطط العدوان على اليمن برمته، وبالتالي فشل القضاء على الوجود السياسي والعسكري لقيادة وحكومة صنعاء، وفشل إنهاء سيطرة قوات صنعاء وبسط نفوذها على باب المندب والبحر الأحمر والبحر العربي، وبالتالي فشل فرض أية شروط أو إملاءات أمريكية على إيران أثناء المفاوضات النووية معها، كان ذلك اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي «ترامب» ورئيس الوزراء الصهيوني هو النقطة الفاصلة ومفترق الطرق، وهو لقاء أكد فيه الرئيس الأمريكي لرئيس الوزراء الصهيوني، إستحالة تحقيق الإنتصار على جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن، وبالتالي فشل مخططات تفكيك البرنامج النووي الإيراني، وتفكيك البرنامج الصاروخي وإستحالة تطبيق المرحلة الثانية من مشروع التطبيع الإبراهيمي، لأن الدولة التي وعدت أمريكا بالتطبيع وهي السعودية إشترطت إقامة دولة فلسطينية في حدود تقسيم 1948 قبل الدخول في تطبيع مع الحكومة الصهيونية، من ذلك التاريخ أي من تاريخ إستدعاء رئيس وزراء العدو الصهيوني إلى واشنطن، إتخذ الرئيس الأمريكي «ترامب» قرارات مهمة وصعبة وهي الدخول في مفاوضات نووية مع إيران برؤية أمريكية جديدة، تتقاطع مع رؤية ورغبات الحكومة الصهيونية، منذ ذلك اللقاء تولدت قناعة لدى الرئيس الأمريكي بضرورة وقف العدوان على اليمن، لأن الخبراء العسكريين الأمريكيين حددوا شهر زمان من العدوان، وبعد الشهر سوف يعاد النظر مالم تتحقق الأهداف، عزز الصمود اليمني والقصف على البوارج الأمريكية وإسقاط عدد من الطائرات الدرونز«M Q 9»وطائرات «F 18»، وإستمرار الضربات العسكرية اليمنية على عمق كيان الإحتلال،كل ذلك وغيره عزز القناعة لدى الإدارة الأمريكية بضرورة بوقف العدوان العسكري على اليمن.
تلك التحولات الدراماتيكية في السياسة الخارجية الأمريكية كانت مفترق طرق. أمام الإدارة الأمريكية خياران لاثالث لهما، الخيار الأول وهو:
أما تضل أمريكا في مواقفها الداعمة لحكومة الكيان الصهيوني حتى النهاية، الذي يعنى دخول أمريكا في حرب خاسرة مدمرة خدمة لحكومة اليمين الصهيوني المتطرف تغرق فيه أمريكا في حرب مدمرة في المنطقة مع اليمن وإيران، سوف ينتج عنها القضاء على القواعد العسكرية و المصالح الأمريكية في المنطقة وربما تتضرر مصادر الطاقة في المنطقة الخليجية. الخيار الثاني وهو الإهتمام والسعي نحو تحقيق المصالح الأمريكية وتهدأة الأوضاع العسكرية والصرعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة شرق أوروبا، لتتفرغ أمريكا في إعادة بناء إقتصادها الذي تضرر بفعل التقدم والزحف الإقتصادي الصيني، حيث تحتاج أمريكا إلى سنوات عديدة لإعادة بناءها الإقتصادي حتى تلحق بالقطار الإقتصادي الصيني السريع، وعلى هذا فضل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، عدم إغراق بلاده في حرب خاسرة مدمرة من أجل زرقة عيون «ناتنياهو»و«بن غفير»و «وسموتريتيش» وأمثالهم من رموز اليمين الصهيوني المتطرف، الرئيس (ترامب» بعكس مايفهمه البعض منه من طباع في تقلب المزاج،لكن الصحيح هو رئيس ذكي وقوي ويحمل مشاريع ورؤى لإنقاذ بلاده من السقوط والإنهيار الإقتصادي والعسكري والسياسي، ويفكر في مصالح بلاده بالمقام الأول.
قرار الرئيس الأمريكي وقف العدوان العسكري على اليمن، هو قرار نهائي وحكيم وقد إتخذ عين العقل ولم تعميه هالة الكبرياء وجنون العظمة ووهم القوة العالمية الأولى التي لاتقهر ، هو قرار إقتضته مصلحة الشعب الأمريكي وإقتضاه خيار عدم وقوع أمريكا في الغرق الذي يريده لها «ناتنياهو»، لأن إستمرار الحرب والدخول في حرب مدمرة مع إيران لن تخسر منه غير أمريكا.
الصمود والمقاومة وشجاعة القيادة والمقاتل اليمني، هم الذين حققوا التغيرات السياسية الأمريكية في المنطقة والعالم، هذا الذي أعترف به الرئيس الأمريكي «ترامب» في تصريحه يوم أمس«الأربعاء» عندما قال: واجه جيشنا مقاتلين شجعان في اليمن.
كيان العدو هو الخاسر الأكبر وسوف تكون نهايته حتمية وسوف تعود الحياة تدريجياً إلى قوى محور المقاومة خاصة حزب الله، الإنتصار الذي حققه اليمن بإعلان الرئيس الأمريكي وقف العدوان العسكري،هو من أعاد الإعتبار لقوى محور المقاومة ومسح خيبة الأمل والنكسة التي حلت بالمنطقة عقب الأحداث المؤسفة في سوريا.