‏من العزلة إلى التأثير.. اليمن يفرض نفسه ويغيّر النظرة الإقليمية

بقلم _ رضوان الرخمي

‏قبل سنوات، كان يُنظر إلى صنعاء على أنها مدينة محاصَرة، وإلى أنصار الله على أنهم مجرّد فصيل متمرّد يجب سحقه بالقوة. كانت الحسابات الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، تنطلق من منطق الاستعلاء والتفوق العسكري، وكانت وسائل الإعلام تعبّئ الجماهير العربية والدولية بأن الحل في اليمن يمر عبر القضاء على “الميليشيا” وإعادة ما يُسمى “الشرعية”.

‏لكن اليوم، المشهد تغيّر تمامًا.

‏اليوم، تصدر البيانات من دول خليجية مؤثرة كالسعودية والكويت وقطر مرحّبةً باتفاق تهدئة تم التوصل إليه بين صنعاء وواشنطن برعاية سلطنة عمان، وهذا الترحيب ليس مجاملة دبلوماسية ولا مجرد خطوة شكلية، بل يعكس تحوّلاً جوهرياً في الموقف السياسي والاعتراف الضمني بقوة الطرف المقابل، أي اليمن المقاوم، بقيادته الثابتة وشعبه الصامد.

‏هذا التغير لم يأتِ من فراغ، وإنما هو نتيجة لمسيرة طويلة من الصمود والتضحيات، ومسار واعٍ قادته القيادة الربانية في صنعاء بحكمة وإيمان وثبات.

‏لقد استطاع أنصار الله، ومعهم كافة القوى الوطنية الحرة، أن يحوّلوا الحصار إلى دافع للاكتفاء، وأن يحوّلوا العدوان إلى فرصة لبناء منظومة دفاعية وهجومية جعلت اليمن يضرب حيث يشاء، ويحدد متى وكيف يرد، حتى على أمريكا نفسها. ومع كل ضربة استراتيجية، كان العالم يعيد حساباته، وتتساقط الأكاذيب واحدة تلو الأخرى.

‏السعودية – وهي قائدة التحالف – ليست بعيدة عن هذا التغيّر في الرؤية.
‏اليوم، وبعد سنوات من الفشل العسكري والاستنزاف المالي والسياسي، تجد الرياض نفسها مضطرة لتغيير لهجتها، لا بفعل الضغط الدولي فقط، بل بفعل إدراكها أن القوة التي تواجهها في صنعاء لم تعد هامشًا يمكن تجاوزه، بل أصبحت مركزًا فاعلًا في معادلات المنطقة، لها حلفاء، ولها مشروع، ولها كلمة.

‏بل إن هذا التحول لم يقتصر على النظرة السعودية، بل شمل نظرة العالم أجمع، الذي كان بالأمس يتعامل معنا ببرود وغطرسة، وها هو اليوم يبحث عن وساطات ويطلق بيانات الترحيب، ويخشى من تصعيدنا أكثر مما نخشى من تهديداته.

‏وهنا يكمن الفارق الجوهري:
‏نحن لم نطلب السلام عن ضعف، بل فرضناه من موقع الندية. لم نسعَ للاعتراف الدولي بتوسلات، بل انتزعناه بصواريخنا وطائراتنا، وبتماسك جبهتنا الداخلية، وبتضحيات آلاف الشهداء.

‏لقد تغيّرت قواعد اللعبة، وتغيّرت نظرات الخصوم قبل الأصدقاء، وهذا ما يؤكد أن اليمن اليوم – بفضل الله، وبفضل قيادة صادقة متوكلة عليه – لم يعد ذلك البلد المُتفرَّق، بل بات رقماً صعباً في المعادلة، وصوتاً مسموعاً في الإقليم والعالم.

‏وهذا هو الفتح الحقيقي:
‏أن تُفرض كلمتك لا بقوة المال، بل بقوة المبدأ.
‏وأن يُعاد رسم خرائط السياسة بناء على صمودك، لا على تنازلاتك.

‏فالحمد لله أولاً، وآخراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى