كثرة الشيوخ… وقلّة الشيم!

سلسلة: كثرة بلا أثر (٤)

بقلم _ الشيخ مجيد العقابي

كانت “المشيخة” يومًا ما مقامًا تُشد إليه الرحال، واسمًا يُذكر فيُهدأ به النزاع، ويُحتكم إليه في الخصام، ويُرجع إليه عند الشدائد.
كان شيخ العشيرة ميزانًا بين الناس، لا ميزانًا على الناس.
لكننا اليوم، وسط هذا الواقع المتغيّر، نشهد ظاهرة جديدة:
شيوخ كثيرون… لكن الشيم نادرة!

كثرت الشيوخ العشائرية، وتنوعت ألقاب “الشيخ العام”، و”الناطق”، و”الزعيم”، و”الوجه”، و”المصلح”، و”الحكم”، لكن السؤال الذي يتكرر في الشارع العراقي:
أين الحكماء؟ أين الوجهاء الذين يُطفئون الفتنة، ويحمون الدم، ويغلبون المروءة على المصلحة؟
تزايد قتل الثقة بين الناس وزيادة الوحشية من سببها؟
لماذا يترك الذي يتعرض لحادث في الشارع دون حمله من قبل العراقيين في الاونة الأخيرة من سببها؟
لماذا يتم التمرد على الاهل والأسرة بل على كبير العشيرة الطيب والمتواضع من سببه؟
أنا اقول لكم :
لا يحمل الذي يتعرض لحادث مخافة ان يتم لصق التهمة به من قبل عشيرة المصاب.
تم التمرد على الاهل وكبير العشيرة المحترم لان هناك من يدعون الشيوخية بالسلاح والعنجهية وتشكيل مجاميع للدفاع عن المنتمي لهم مما فسح المجال لبعضهم لسد حاجته النفسية بالتمرد على اهله.

في السابق، كانت كلمة “الشيخ” تقترن بـ:
الوقار، الشهامة، الحِكمة، كفّ الخصام، نصرة الضعيف، ستر العيب، إكرام الضيف. التسلسل بالإرث وبالعراقي وجود (الحظ والبخت).
أما اليوم، فكثيرًا ما يُذكر اسم “شيخ عشيرة” في سياق:
فصل عشائري مُبالغ فيه، ابتزاز مالي، صراعات زعامات، بيع مواقف، أو حتى تسييس للمشيخة وتوظيفها انتخابيًا.
صار بعض من يُسمّون شيوخًا أدواتٍ بيد الأحزاب أو الميليشيات أو الأثرياء، لا مرجعية قيمية أو ضمير اجتماعي مستقل.

المصيبة أن بعض الشيوخ أصبح يُزايد في الدماء بدل أن يحفظها، ويُضاعف الأرقام بدل أن يُطفئ الفتنة.
تحوّل الفصل العشائري – الذي وُضع لحفظ الكرامة وتهدئة النفوس – إلى صفقة أو استعراض.
وصار الشيوخ يخرجون في الإعلام ليتفاخروا بما لا يُفاخَر به:
كم “الفصل”، كم الملايين، وكأن الدماء مزاد، لا مصاب.

نعم، لا يخلو العراق من شيوخ حكماء، راسخي القدم، أنقياء اليد، ناصحين. شيوخ ينتمون لثورة العشرين بطرد الإنكليز والمحتل والارهاب على طول الخط شيوخ يخافون الله في رعيتهم ويدفعون بهم إلى السلم والمحبة.
لكنهم – للأسف – غُيّب صوتهم وسط صخب الزيف.
في حين تصدّر المشهد من لا يستحق اللقب، ولا يعرف معناه، ولا يحمل شيئًا من ميراث الشيم يميل إلى حرق البيوت واستخدام السلاح والاعتداء على القانون .
وأمامك يوم الجمعة الذي فيه صلاة الجمعة تحول الى يوم الفصول العشائرية! حتى دين الله تم الاعتداء عليه. بحجة انه لا مجال لنا إلا يوم الجمعة ولا يكاد ( المنگول) يفرغ لجمعة واحدة أبدا.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
“ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو قاتل على عصبية.”
وكان الإمام علي (عليه السلام) يقول:
“لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًا.”
وهذا يشمل الحرية من التبعية العمياء للعشيرة، إذا انحرفت عن الحق، أو استخدمت نفوذها في الباطل فدين الله ماجاء لنعود الى الجاهلية الاولى انما ليحفظ المجتمعات وينشر السلام ويؤثر على نفسه.

إلى كل شيخ حقيقي، لا يبيع موقفه، ولا يشتري دمًا، ولا يُهادن باطلًا:
أنت ما تبقى من الهيبة العراقية الأصيلة، فامضِ، وكن نورًا بين الظلمة ذكر القوم بأصالة الجهاد وحب الوطن وحفظ القانون والسير والمضي على دين الله وسنة نبيه الكريم صلوات الله عليه وعلى اله لا ( سنينتنا ؟ ).
ذكرهم بهتاف ابو الچون عندما هتف بوعي ونفخ روح الجهاد في قومه ( الفرض الخامس كوموله) يقصد الجهاد.

وإلى كل من حمل اسم الشيخ وهو يبتز، أو يُهَوّل، أو يُحرّض، أو يُساوم وقد خلق حوله مهرجين وفاسدين ومجرمين لا يخشون القانون ولا الدين ونسب لنفسه ما لا ينسب لاحد وتجاوز على السياقات الطبيعية التي نشات وربت عليها العشائر الأصيلة :
اعلم أن الناس تُبصر، وأن لقبك لا يكفي، ما لم تُثبت أنك شيخ شيم، لا شيخ حسابات وشيخ اصلاح لا شيخ عنتريات.
فكثرة الشيوخ لا ترفع المجتمع… إن لم تكن الشيم هي العملة الرائجة، والضمير هو القانون السائد.

يتبع.

الشيخ مجيد العقابي
مركز الفكر للحوار والإصلاح
09-05-2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى