لماذا سيُصبح فوزُ ترامب خبرا سارا لضحايا أمريكا
بقلم _ محمد حسن زيد
7 نوفمبر 2024
منذ 2016 كنت أمازح بعض الأصدقاء قائلا: “لو استطاعت الصين اختراق أمريكا وتعيين رئيس عميل لتدميرها من الداخل لما استطاع هذا العميل أن يفعل بأمريكا ما يفعله ترامب”.. ومثلما تولى محمد بن سلمان إنهاء دولة آل سعود ونكل برموزها الأيديولوجية واستبدلتها بدولة آل سلمان فإن ترامب يفعل ذلك بأمريكا الآن.. فسبحان الله..
“لقد أنقذني الرب لسبب ما” هكذا علق دونالد ترامب على أنباء فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 والتي من المتوقع أن يقوم فيها بتصفية الحساب مع منظومة الدولة العميقة الخفية التي حاولت السيطرة عليه منذ فوزه في انتخابات 2016 فملأت حياته السياسية بالفضائح والمكائد، منها على سبيل المثال تسريبها لاختطاف خاشقجي وتقطيعه بالمنشار وإذابة جسده بالأسيد لإحراج ترامب عبر علاقته الغريبة بمحمد بن سلمان! كما لم يتعرض رئيس أمريكي لكمية التهم الأخلاقية والجنائية والدعاية المضادة التي تعرض لها ترامب، لا بل وصل الأمر إلى إدانته جنائيا ليُصبح مُجرماً رسمياً.. وقبل ذلك كُتبت أثناء تجربة ترامب الرئاسية كتب هامة توضح مزاجيته وقلة كفاءته وتجاهل الموظفين له مثل كتاب “النار والغضب” للصحفى الأمريكى مايكل وولف، وكتاب “المعتوه” الذى ألفته أومارسا نيومان المساعدة السابقة في البيت الأبيض وكتاب “الخوف: ترامب في البيت الأبيض” الذي ألفه الكاتب الشهير بوب ودوارد وكان غرضها جميعا كشف حقائق عن ترامب لإحراقه شعبيا لكنها لم تنفع..
هذه المرة 2024 عاد ترامب أقوى مما كان 2016 حيث كان في 2016 محط سخرية ورجلا محاطا بالفضائح نرجسيا يُستخف به بينما أصبح اليوم رمزاً شعبوياً بعد نجاته من محاولة اغتيال فاشلة وعودته من تزوير انتخابات 2020 وتجاوزه لفضائح ومؤامرات سياسية كما يراها أنصاره اليمينيون المتعصبون..
وكما استطاع قيادة التغيير داخل الحزب الجمهوري ستكون حقبة ترامب القوي الجديدة إيذانا بتغيير جوهري في النظام السياسي الأمريكي سيما وقد صاحب فوزُه فوزَ الحزب الجمهوري بأغلبية مجلسي النواب والشيوخ، وذلك التغيير المرتقب سيستتبع تغييرات في كثير من الأنظمة في العالم وسيُغير اللغة السياسية والنظرة العالمية لليبرالية والنسوية والمثلية ومعنى الحريات والديمقراطية..
ترامب الذي هدد بايدن بالمحاكمة وهدد خصومه بالانتقام ينتمي لتيار يميني متشدد محدود المدارك قصير النظر يُهدد بتقويض أسس الليبرالية، مناوئوه في الداخل الأمريكي دقوا ناقوس الخطر حيث وجدوا أنفسهم أمام واحد من أربعة خيارات:
1- الخيار الأول: منع وصوله إلى كرسي الرئاسة بطرق قانونية، وهذا الخيار قد يؤدي إلى حرب أهلية تتفكك بها أمريكا.
2- الخيار الثاني: تمكين ترامب شكليا خلال الأربع سنوات القادمة مع العمل على إفشاله وإحراقه لوأد مشروعه اليميني المناهض لليبرالية، وهذا يعني ان الدولة العميقة ستعمل مع ترامب في الظاهر لكنها ستسعى لإفشاله في الباطن لإحراقه استراتيجيا واغتيال شعبيته، ونحن في اليمن نفهم جيدا هذا النوع من التمكين الشكلي والمكر حيث يُعبّر عنه البعضُ بقوله “يأكل الثومَ بفم غيره”.
3- الخيار الثالث: الاستسلام الفعلي لترامب في صناعة أمريكا يمينية والاعتراف بضرورة هذا التغيير والتأقلم معه من منطلق براجماتي لا يتمسك بالمبدأ بل يتأقلم مع الواقع ومع رغبة الأغلبية، وهذا الخيار معناه نهاية الليبرالية.
4- الخيار الرابع: اغتيال ترامب جسديا، لكن هذا الخيار سيكون خيارا انتحاريا لأنه سيُشعل حربا أهلية بطريقة أسوأ من الخيار الأول
أما بالنسبة لسياسته الخارجية وبما ان أولوية ترامب محلية فسيغلب طابع القرارات الشخصية والانفعالية غير الاستراتيجية عليها كما فعل مع حصار قطر بصفقة مع محمد بن سلمان بعد توليه 2016 مما أدى لتفكك تحالف العدوان على اليمن، وكما فعل مع قرار الانسحاب العسكري من أفغانستان (والذي لم يُنفذ إلا في عهد بايدن) وقرار الانسحاب من سوريا (والذي رفضت المؤسسة العسكرية تنفيذه) ومختلف الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالبيئة وحلف الناتو..
وكما جاء في كتاب “الخوف: ترامب في البيت الأبيض” للكاتب الشهير بوب ودوارد قال وزير دفاعه السابق جيمس ماتيس “درجة الفهم لدى ترامب موازية لتلميذ في الصف الخامس” أما جون بولتون مستشاره السابق للأمن القومي فقد وصف ترامب قائلا “ليس لديه العقل ليكون ديكتاتورًا”، وذلك في مقابلة أجريت معه في صحيفة لوفيجارو الفرنسية اليومية.
وترامب حسب تسريبات استخباراتية لا يهتم بقراءة التقارير اليومية للمخابرات بل لا يثق فيها حيث يُخشى أن يتسبب استهتارُه بخرق أمني للمعلومات والوثائق!
ومن جانب آخر ترامب لا يهتم سوى بعلاقاته الشخصية مع الزعماء ومصالحه وصورته الإعلامية مما قد يُخلّ بتوازن كثير من الملفات الدولية وسيؤدي ذلك في الجملة إلى تقويض مخططات كبرى وإضعاف مركز الولايات المتحدة الأمريكية العسكري والسياسي وسيؤثر على مستقبل حلف الناتو وقد تدفع بعض القرارات المتهورة غير المدروسة منه إلى تعرض الجيش الأمريكي لصفعات موجعة تدفع لانسحابات مفاجئة ستؤدي لخلق فراغات استراتيجية هنا أو هناك..
بالنسبة لمحور المقاومة فمواجهة صفاقة ترامب الفجة أفضل من مواجهة نعومة الليبراليين السامة، وطالما ظل محور المقاومة قادرا على الصمود وتوجيه ضربات نوعية قوية فإن ترامب يتجاوب مع منطق القوة بسرعة كما يتجاوب مع كوريا الشمالية..
وعموما مواجهة زعيم نرجسي انفعالي جاهل أسهل من مواجهة مشروع ماكر وعميق واستراتيجي.. والله المستعان