كنوز ميديا _ ثقافة وفن
تثيرنا دائماً أعمال التشكيلي صدر الدين أمين، لأنها تطرح ثيمات تلامس الإحساس بالأشياء المحيطة بنا، لا بوصفها مأخوذة من الأثر الحكائي او الموروث المكاني والبيئي فحسب، إنما بوصفها تنتج اسئلة هائمة في معنى التلقي عبر المنظور، ويضيف اليها مخيالا واسعا ومعبرا عن رؤيته الهائمة في تفاصيل تنتمي إلى طقوس متوارثة، او بالأحرى عادات وتقاليد عرفناها ومارسنا جزئياتها منذ طفولتنا وحتى أيامنا هذه، لذا أحسب أن الفنان صدر الدين واحد من أهم الفنانين التشكيليين الذين لا تذهب عنهم مخيلة النشأة الأولى مهما كانت مسافة الغربة التي يعيشها والتي أخذت من حياته سنوات كثيرة.
العودة إلى الأثر وإلى المرجعيات الأولى، كانت العتبة التي انطلق منها الفنان، لكنه أدرك جيدا أنَّ اعادة انتاج لوحات ذات جمالية خاصة، لا بد أن تبدأ من تطوير هذه المرجعيات عبر تجديد الرؤى، والغور في تفاصيل مصاحبة للفكرة ولفنية المشروع الذي يشتغل عليه، وأهم ما كانت عليه هو “شغفه الّلوني” وطبيعة استخدام الألوان بالشكل الذي يريده ليصبح أكثر تقبلا وأكثر بهرجة عبر الأداء والتركيبة التي شاهدنا كيف كانت عليه اللوحات، وقد يسأل سائل، إلى أي مدى يمكن الامساك بأشياء جديدة في أعماله..؟ هنا لا بد من التركيز على أعمال الفنان على درجة عالية في استخدامه “المضمون../ الأنشاء../ الفكرة..” لأن تجربة كل فنان تأخذ على عاتقها طرح الأشياء بقصدية، بمعنى أنها تحمل فكرة معينة يجب تنفيذها، إضافة إلى العنصر الأكثر أهمية وهو كيفية استخدام الألوان عبر طريقة يتمتع بها الفنان ذاته.
لوحات الفنان ذات تفاصيل “انشائية” ترجعنا إلى جذر طفولتنا، غير أن الأسلوب التعبيري هذا اعطى دلالة وافية بأن عالم الطفل هو عالم مفتوح وقابل للتأويل وغير محدود في التناول، لذا فإن السمة التعبيرية المجردة، كانت على قدر كبير من التناول والأداء معاً، وهو ليس الفنان الوحيد الذي كانت له هذه السمة، بل هناك العديد من أبناء جيله أو من أجيال أخرى قد مارسوا هذه الموضوعة، لكنه تميزعن غيره بإيجاد اسلوب خاص به من خلال طريقة استخدام الثّيمة بتجريدية عالية.
للغة اللّون عند التشكيلي صدر الدين أمين سمة خاصة، فهو يدرك أن تركيبة الألوان في موضوعة حساسة ومهمة “موضوعة الأشتغال في عالم الطفولة” لها تركيبتها الخاصة التي تفتح مساحة المنظور عبر التلقي البرّاق الذي يجذب الآخرين، فكانت الألوان البارزة “المضيئة والحارة والقانية” لها دور كبير وفاعل في كلّ لوحة يرسمها، مدركا أنَّ لهذا العالم خصوصية كبيرة في طريقة البناء والطرح، إضافة إلى استخدام الألوان الباردة التي تناظرت مع الألوان الأخرى، كلّها اعطت مشروعا متوازنا في غاية الدقة، وما يلفت النظر أيضا أن لثنائية اللون والمضمون فلسفة خاصة انطوت على تقديم الأعمال بتناسقية واضحة وفيها حضور بارز.
عالم الأطفال بما يرافقه من ثيمات أخرى كالألعاب وبعض الحيوانات الأليفة “السمك../ الطيور../ العصافير ../ القطط..، وغيرها” جعل من الفنان أن يدخل إلى عوالم افتراضية، هذه العوالم أخذت مساحة في تجربته وإن كانت محدودة لما شاهدته في أعماله، غير أن ذلك يساعد على طريقة تجديد أفكاره عبر متواليات جمالية تتراصف مع ما قدمه من تجربة فنية واضحة أمامنا، لذا أحسب أن (تكنيك) كل لوحة يقدمها لها رؤيا خاصة وفكرة تقدمها عبر تقنيته المعهودة.. فالعالم الذي يصرّ الفنان في غوره هو عالم هلامي، عالم تتشكل رؤآه في الذهن مهما كانت جذوره واقعية أو أدواته حاضرة بيننا، فالفن سواء كان في التشكيل أو الميديا يخلق جماليته الخاصة عبر آلية معينة يكون فيها الإقناع من أهم صفاته وأهم اشتراطاته.
التشكيلي العراقي صدر الدين أمين، بكل ما يحمله من تجربة فنية، وبكل ما قدمه من تجارب طرحها في معارض خاصة واخرى مشتركة، فقد جذب انتباهنا لما قدمه وما طرحه من أفكار جاذبة، لذا ننتظر منه ما هو جديد وما هم ملفت للنظر على الرّغم من اغترابه خارج البلد.