ديمقراطية الغرب وهم أم حقيقة؟! والى أين يؤدي بالبشري التطور المعلوماتي؟.
بقلم _ محمد علي اللوزي
الديمقراطية لم تكن في يوم من الأيام حلا في الحكم وإدارة الدولة والعلاقة بين أفراد المجتمع.. ولم تكن في مستوى المعول عليها لخلاص البشرية من القمع والاضطهاد ومصادرة الحريات، ولم تكن نظام حل مشكلات بطرق منتظمة. لذلك ظلت شعارا يرفع لدى الأورو أمريكي الذي يقتنص فرص الاستغلال للآخر والسيطرة عليه، واتخاذها عكازا للطريق الى حالة استعمارية أجد تحت لافتة (الديمقراطية).. سقطت بغداد وتنمرت دول الديكتاتوريات في نادي الأغنياء الخليج تحت هذه اللافتة، تقاسم الكبار لقمة الصغار وجرت انقلابات في بلدان عديدة وحوصرت شعوب كما في بلدان أمريكا الجنوبية تحت عنوان الديمقراطية. وتهاوت سيادات دول كما بنما وليبيا وسوريا واليمن والعراق ولبنان، والقائمة لاتنتهي من دول تتزعم الدفاع عن الديمقراطية وتعتدي على الآخر بذات العنوان، كماتتخذ منها عصا لضرب مايسمى بالدولة المارقة التي لاتنصاع لتوجيهاتها وتتمرد على حاكم البيت الابيض. هي إذا ديمقراطية انتهازية كاذبة، استغلالية، قامعة. ديمقراطية رساميل عابرة للقارات ومصالح تتصارع، وقوى تنال من الآخر الضعيف. فلسفتها البقاء للأقوى وللأفضل، ونظريتها في (الانتخاب الطبيعي) لاتخرج عن هذا المسار الديمقراطي اللعين، و(البيروسترويكا)(الغورباتشوفية) هي أيضا في ذات السياق، كما نظرية (التفكيكية) أو الهدم من أجل البناء، التي انتقلت من الأدب وعلم الاجتماع الى السياسة باسم الفوضى الخلاقة بصناعة أمريكية، لتدمر العالم ثالثي، وتدمر أيضا عالمها رغما عنها لأنها تمارس اختلال توازن كوني.
وإذا في هذا الفضاء (السيبرنطيقي) مالذي تبقى من قيم؟.
* الافتراضي والمعلوماتية يصنع الديمقراطية وينقلب عليها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أزعم هنا أن الافتراضي المحدود هنا وحده، هو العالم الغني بالديمقراطية، هو المجال المفتوح للكل: فقير /غني، متقدم /متخلف، عبقري /غبي، عالم /جاهل. لم نشاهد ديمقراطية حقيقية نشأت إلا عبر العلم فقط، وحده الانجاز العلمي صنع الديمقراطية التي تتدفق معلومات وأخبار ومعرفة بلاحدود، هي متاحة للجميع من الجميع. هنا غدا الإنسان فاعلا ومتفاعلا،حينا من الدهر، يقبل ويرفض مايريد ويسهم في إخصاب الفكرة والحقول العلمية. علىةالااقل في الوقت الراهن. بهذا المعنى نعم الديمقراطية انتقلت من عالم السياسة والاجتماع الى العالم الافتراضي كفضاء مفتوح، الى الانسان دونما تمايز او احتكار أو رقيب عتيد. لعل أهم ماجاد به العلم، هو اكتشافه من جديد للديمقراطية وكشفه زيفها في آن واحد.فهل يفلت من عالم القمع السياسي ويصنع عالمه الافتراضي الآخر، بالبحث عن نظام أكثر عدالة يتسق مع التقدم العلمي الغير مسبوق. يبدو أن مايحدث اليوم من خلخلة في مفاهيم عدة وفي سياسة دول وصراع الجبابرة الاقتصادي والعسكري كما هو حال (روسيا/الغرب) وهما على طرفي الكرة الأرضية، يسير في هذا الاتجاه. البحث عن حالة توازن بين الواقع والمتغير. بين الممكن والمستحيل. أو هكذا يهجس لي، هو مانراه يبزغ من ركام معاناة البلدان الفقيرة، وتوسع الاورو امريكي بلاحدود وتعاليه على البلدان المتخلفة، ومايصدره لها من صراعات لاتنتهي ، ليبقى المهيمن، الامر الذي جعل القوى القادرة على الفكاك منه تدخل دائرة التحدي، وتكشف زيف الديمقراطية الغربية، وترمي بها عرض الحائط، لتختار تكافؤ القوة، والمواجهة لخلق عالم متعدد القطبية، وهو مانراه اليوم فعلا ماديا ملموسا قابلا للإنجاز. تغيير فيه معادلة القطب الواحد والحد من النفوذ الأورو امريكي ضمن فضاء مفتوح متعدد المعلومة ومتدفق معرفيا، ليعم العالم الذي عليه ان يستعيد قدرته في استيعاب هذا المتغير، والإسهام فيه كفرصة تأتيه قبل أن لايجد نفسه بين هذا التعدد والتنوع، ويقع في فكر أحادي (دوغما) قامع،قابل لأن يندثر بقوة الجديد ومطرقة العصر
*المعلوماتية تصل بنا الى أختلال رهيب وقمع ممنهج ودكتاتورية اخطر من سابقاتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كل الاحوال أن التطور العلمي الهائل والقفزات الكبيرة في مجال العالم الافتراضي والمعلوماتية الغزيرة والوصول بالتقني الى مرحلة الإحلال عبر الأتمته كبديل عن الإنسان،، بقدر ماهو رفاهية ومتعة وديمقراطيةحين من الدهر. هو ايضا نوع من استعلاء دول على أخرى وتفوق يصل الى حد الاستغناء عن الإنسان ومنحه التقاعد منذ ولادته، باعتبار الآلية هي التي ستحل محل الإنسان في العمل، ليتحول الديمقراطي المتعدد في العالم الافتراضي الى ديكتاتور قامع أكثر استعلاء وإقصاء للبشري والسيطرة عليه واستلابه القدرة على التفكير وأحتلال العقل وجعله منقادا لما يقدم له عبرالعالم الافتراضي من جاهزية في كل شيء وخدمات تشمل كل الحياة.
هذا بعد التطور الشامل الذي نرى بوادره من خلال مايسمى بمرحلة علم (النانو) هذه المرحلة التي يشتغل كل شيء تلقائيا دونما تدخل من الإنسان الذي يتحول الى مراقب مستلب الوجدان يعيش غربة اجتماعية نفسية وفكرية. حيث كل شيء يقدم له جاهزا ليبقى مجرد مستهلك فقط ومشيء يتحرك بأوامر كما يتحرك الروبوت. إن خطورة التطور المعلوماتي الرهيب هو أنه بداء ديمقراطية واسعة لينتهي الى دكتاتورية قامعة،حيث يسيطر على البشري مجاميع تمتلك المعلوماتية وتقنيتها في آن واحد. هذا الامتلاك الذي يشل دولا ومجتمعات بما فيها الأوربية، ويغدو الفرد أسير المرئي الجاهز يتابعه ويحاوره كمادة بلاروح او مشاعر، بما يخلق لدى البشري المستهلك حالة انفصام حقيقية بين واقع يسلبه أرادته ويشل تفكيره ويعطل مشاعره كإنسان إزاء اسرته وبيته،، وعالم افتراضي اقحم نفسه على البشري واستطاع أن يجره إليه وأن يتمكن من السيطرة على كيان المجتمع ككل. نحن إذا إزاء مسيرة علمية مريعة فيها الإنسان مشيء ومستهلك ومجرد أداة يعيش البطالة، باعتبار (الروبوت) حل محله كمايستتبع هذه البطالة تركيز الثروة لدى فئة قليلة، لينتشر الفقر والاستغلال والقهر التقني والطبقي في آن واحد. إن عالما تفرضه الآلة ومن يقف وراءها على البشري إنما هو عالم اقصائي يستلب الانسان وجوده وحريته، ويموضعه على عالم افتراضي فقط لتبقى المشاعر محبوسة والإنسان في حالة تدجين لايقدر على الفرار من الافتراضي كعالم إنوجد فيه وله، وأدخله في قو قعة الفردية المعذبة. الإنسان هنا يتحول الى بضاعة للمهيمن، المصنع، للتقني من يحتكر المعلومتية بعد أن جعلها مشاعا ثم لملمها بتصنيع وتطوير الافتراضي حد الذهول والإنجذاب اليه وإدمانه واستغراق كل الوقت في هذا العالم المزيف الخالي من المشاعر. إن المتتبع للتطور المعلوماتي يحد أنه عالم مخيف ( مسكن) الإنسان-مثلا-جاهز لأن يقدم خدماته كاملة لساكنه من مأكل وملبس وغسيل والرد على المكالمات وتجهيز الفطور منذ اول ما يفتح الساكن عينيه الى أن يعاود النوم هذا كمثال. إن هذا التطور يمس الإنسان وقيمه في الصميم، ويجعله تابعا خانعا مستلب الوجود يعيش غربة الذات والواقع والوجود، وربما يصل الى حد الانتحار حين لايرى ولايلمس ولايجد سوى افتراضي (وريبوت) يعيقه عن التخاطب بالمشاعر والوجدان، وربما يتحول الإنسان بهكذا واقع الى متوحش.