الدكتورة أمل الأسدي: باحثة الهوية بين مشروع الإبراهيمية وزيارة الأربعين
بقلم _ د.حسين علي ناصر
في زمن تتعرض فيه الهويات الثقافية والدينية لضغوط هائلة من الداخل والخارج، برزت الدكتورة أمل الأسدي بوصفها واحدة من أبرز الأصوات الأكاديمية العراقية التي كرّست جهودها للدفاع عن الهوية العراقية والهوية الإسلامية، من خلال مشروع بحثي متكامل، جمع بين الرؤية النقدية العميقة والتحليل الاجتماعي-السياسي الواعي.
وقد تجلى هذا المشروع الفكري بوضوح في أهم كتابين صدرا لها مؤخرًا، وهما:
١- الإبراهيمية حرب الاستحواذ علی الموارد
٢- الاجتماع الديني للزيارة الأربعينية
🔻الإبراهيمية: حرب الاستحواذ على الموارد
في هذا الكتاب، تقدم الدكتورة أمل الأسدي قراءة نقدية جريئة لمشروع “الإبراهيمية”، الذي يُسوّق له كمبادرة دينية للتقارب بين أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث. غير أن الأسدي ترى فيه مشروعًا استعماريًا ناعمًا، يهدف إلى تفكيك البنية العقدية والثقافية للعالم الإسلامي، وتحويل الدين إلى أداة طيّعة تخدم مشاريع الهيمنة الغربية والصهيونية.
من خلال سبعة فصول، تفكك الكاتبة الخطابات الناعمة التي ترافق المشروع، مثل “التمكين”، و”الدبلوماسية الروحية”، وتربطها بمخططات استهداف التعليم والمرأة والهوية، خصوصًا في العراق..
يرى المفكر الجزائري نور الدين أبو لحية أن الكتاب “صيحة في الأمة لتحذر الخطرو القادم”، ويصفه بأنه كشف عن محاولة خلق دين جديد مائع يخدم الهيمنة السياسية والثقافية.
ويضيف المفكر العراقي الدكتور علي المؤمن: ” إن الكتاب من الأعمال الفكرية الجادة التي تكشف أبعاد المشروع الإبراهيمي كأداة للهيمنة الناعمة، تميز بجرأة الطرح والرؤية النقدية العميقة.”
🔻الاجتماع الديني للزيارة الأربعينية
في هذا الكتاب، تحلل الدكتورة أمل الأسدي ظاهرة الزيارة الأربعينية بوصفها أعظم تجمع ديني شعبي في العالم الإسلامي، وترى أنها تحولت إلى حركة جماهيرية تعيد تشكيل الهوية الإسلامية العراقية.
ترى الكاتبة أن الزيارة الأربعينية تمثل تجسيدًا للهوية الشيعية-العراقية العابرة للطوائف، وتشكل جدار صد ثقافي وروحي أمام مشاريع الهيمنة والتفكيك.
كتب عنها الناقد محمد عبد الرضا الساعدي: “أمل الأسدي لا تكتب من برج عاجي، بل من قلب الواقع الميداني؛ لذلك جاءت كتبها مشبعة بالتحليل والرؤية المجتمعية.”
أما الكاتب والإعلامي إلياس الهاشم فقد وصفها بأنها: “صوت أكاديمي ميداني لا يخشى الاقتراب من المناطق المحظورة، ويكتب بنَفَس المثقف العضوي المؤمن برسالته.”
🔻بين كتابين: مشروع دفاع عن الذات الحضارية
تكشف قراءة الكتابين عن خيط ناظم واحد: هو الوعي بالخطر والرهان على الداخل. فالأسدي تقف ضد العولمة القيمية التي تمحو الفروق الثقافية، وتدعو بالمقابل إلى تمكين داخلي للهوية، لا بالانغلاق، بل بالفهم العميق، والتمسك الواعي بالموروث الديني والاجتماعي.
.
🔻تفاعل جماهيري واسع مع كتاباتها
تحظى كتابات الدكتورة أمل الأسدي بتفاعل جماهيري واسع، لا سيما ما تطرحه حول نظام البعث واستهدافه العميق للمجتمع العراقي، حيث استطاعت عبر مقالاتها وتحليلاتها أن تكشف جذور العنف الثقافي والسياسي الذي مارسه النظام بحق الهوية العراقية، مما أكسبها احترام القراء من مختلف الأوساط الفكرية والاجتماعية.
كما حصدت قراءاتها خلال شهر رمضان المبارك صدى كبيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص على منصة فيسبوك، ومن أبرز تلك القراءات، ما قدمته في كتاب «حكايتي مع الإمام المهدي» الصادر عن مركز بناء، إذ لاقت قراءتها صدى واسعًا لدى الجمهور العراقي والعربي والإسلامي، واعتُبرت من القراءات العميقة التي تمزج بين التحليل السردي والفهم العقائدي، وهو ما عزز مكانتها كباحثة تجمع بين المعرفة الأكاديمية والتواصل الجماهيري.
ختاما؛ ان الدكتورة أمل الأسدي ليست فقط أكاديمية متخصصة في الأدب والنقد، بل صاحبة مشروع فكري واجتماعي يواكب تحولات العراق والمنطقة. ومن خلال كتابيها الأخيرين، أثبتت أن المعركة على الهوية لا تُخاض بالشعارات، بل بالوعي، والتحليل، والكلمة الملتزمة