التفاليس… حين يُهان الوجع
بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي
تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل مؤخرًا تصريحًا نسب لأحد المستشارين، وُصف فيه إنفاق القمة العربية التي أقيمت في بغداد بأنه لا يعدو كونه “تفاليس”. وقد أُشير إلى أن كلفتها بلغت ما يقارب 600 مليون دولار، وهو رقم أثار تساؤلات كثيرة في أوساط الرأي العام.
في الوجدان الشعبي العراقي، كلمة “تفاليس” ترمز إلى المال القليل الذي لا يؤثر على معيشة الفرد اليومية، وتُستخدم عادةً للتقليل من شأن مبلغ ما. لكن عندما تُقال هذه الكلمة في سياق إنفاق عام بمئات الملايين من الدولارات، وعلى لسان من يُفترض بهم تقدير المال العام ومسؤوليات الدولة، فإن الأمر يتجاوز المزاح أو التبسيط، ليصير جرحًا لغالبية هذا الشعب المكافح.
ليس الاعتراض على القمم أو المؤتمرات، ولا على دور بغداد في محيطها العربي والدولي، فبغداد كانت وستبقى حاضنة للمبادرات الكبرى. ولكن ما يحزّ في النفس أن تُختزل هذه التكاليف الهائلة، التي تكفي لحل كثير من الأزمات الخدمية والصحية والتعليمية، في كلمةٍ واحدة تُقال بخفة: “تفاليس”.
ماذا عن العائلات التي لا تجد قوت يومها؟
ماذا عن الشباب الخريجين الذين يبيعون على الأرصفة؟
ماذا عن المرضى الذين ينتظرون عونًا في مستشفى بلا أجهزة أو دواء؟
هل ستبدو لهم هذه الملايين أيضًا مجرد “تفاليس”؟
من حق المواطن أن يتساءل.
من حقه أن يشعر بالخذلان حين يُرى في مأساته مجرد رقم صغير لا يستحق الذكر.
ومن واجب الخطاب الرسمي أن يتحلى بالحساسية، لا أن يتماهى مع الفوقية، خصوصًا في بلد لم يتعافَ بعد من تراكمات طويلة من الأزمات والتحديات.
إن احترام مشاعر الناس ليس خيارًا، بل أساس في بناء الثقة بين المواطن والدولة.
ولا يمكن إصلاح الواقع ما لم يُحترم وعي الناس ووجعهم، ويُقدّر المال العام كأمانة لا يجوز الاستهانة بها، سواء في القول أو الفعل.
ربما نختلف في التوصيف، وربما تُبرر تلك المصاريف في سياقات معينة، لكن يظل الوصف الشعبي الذي قيل عن القمة – أكان دقيقًا أو زلّة لسان – جرس إنذار علينا التوقف عنده.
فالكلمات، حين تُقال في الشأن العام، لا تُمحى بسهولة.
ولغة المسؤول، يجب أن تكون بمستوى المعاناة، لا بمستوى الترف.