(فَكُلُّكُمْ عَوَراتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسِنُ)
بقلم _قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات
في خضمّ النقاشات الحزبية والسياسية والاجتماعية التي تعرفها مجتمعاتنا اليوم، تمهيدا للانتخابات باتت ظاهرة “التسقيط” والتشهير بالآخرين سمة بارزة في خطاب بعض القادة وجماهيرهم على حد سواء. ينسى كثيرون أنَّ أنفسهم ملأى بالعيوب والنقائص قبل أن يلتفتوا إلى زلات الآخرين. ولئن كان التساؤل “من أنا حتى أحكم على غيري؟” يبدو بديهيًا، فإنّ الواقع اليوم يكشف عن تغافل جماعي عن هذه الفكرة المؤسِفة التي تنهض عليها قيم التواضع والاحترام المتبادل.
إنَّ العبارة “فَكُلُّكُمْ عَوَراتٌ” تذكيرٌ صادق بأنّ الإنسان بطبعه يجهل كثيرًا من زلاته الداخلية، ويغفل عن نقاط ضعفه وأخطائه. فكيف إذا تناسى هذا الإنسان جانبَ المعرفة والاعتراف بما لديه من شوائب قبل أن يمدّ إصبع الاتهام نحو الآخرين؟ إنّ الوعي بالذات، كمرحلة أولى من مراحل النضج الفكري، يوجب مراجعة النفس بصورة دائمة، ومحاولة تصحيح مساراتنا قبل أن نطالب الآخرين بتصحيح سلوكهم.
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، صارت “الألسن” أشبه بسهامٍ مسمومة تطلق نحو المعارضين والرأي الآخر؛ من داعٍ سياسيٍّ إلى قائدٍ حزبيٍّ، أو مواطنٍ عاديٍّ يعبر عن رأيه في الميدان العام. ولم يعد الحوار الهادف هو الغاية، بل الترويج للسوء وتشويه السمعة بجنونٍ أحيانًا، فيفضح البعض موارد غيظهم الشخصيّ أو مواقفهم المسبقة تجاه الآخرين.
وهناك أبعادٌ خطرة للتسقيط والتشهير منها
1- تفكيك اللحمة الاجتماعية: إذ يحول خطاب الكراهية بين أعضاء المجتمع الواحد إلى جدران فاصلة بدل جسور تفاهم.
2- زرع البغضاء والفرقة: فالتسقيط المتبادل يخلط بين الحقائق والأكاذيب، فيؤسس لانقسامٍ عميق قد يستحيل سدّه لاحقًا.
3- خسارة الثقة بالمؤسسات: عندما يتبادل القادة والمسؤولون الاتهامات الباطلة، يصيب الشك جسدَ الديمقراطية ومؤسساتها، ويتراجع الإقبال على المشاركة والوقوف خلف البرامج الوطنية.
على كلّ طرفٍ سياسيٍ أو حزبيٍ وجماهيريٍ أن يتوقف لحظةً ويفكر: هل أخطأتُ في حقِّ نفسي قبل أن أخطئ في حقِّ الآخرين؟ إنّ الألسنَ أمانةٌ ومسؤولية، وهي قادرٌة على بثّ الروح أو القتل الخفيّ للعلاقات. ولابدّ من تبني سلوكياتٍ بديلة منها :
التثبت قبل النشر ومراعاة الدقة والموضوعية ومحاكمة الخبر الصحيح قبل تداوله. وفتح مساحاتٍ للتفاهم وتبادل الآراء بعيدًا عن الأساليب القذرة. كما ان الاعتراف بالزلة والتراجع عنها يرفع من قيمتنا الأخلاقية ويستأصل بذور الشقاق.
إذا كنا جميعًا “عوراتٍ” في نظر الذات، وللناس ألسنٌ، فعلينا أن نخترق ستار الغفلة لنواجه عيوبنا أولًا، ثم نصنع لسانًا يَسهم في الإصلاح لا في الهدم. إنه امتحانٌ ديني ووطني وإنساني: إمّا أن نختار طريق التشويه والتزوير والغدر بالسمعة، أو نختار درب الكرامة والاحترام المتبادل والضمير اليقظ. وفي ذلك – بلا شكّ – رقيٌّ للأمم وحفظٌ لوحدة الصف.
11/5/2025
https://t.me/+dshAlnqux-llYjUy