تغيير معادلة القوى في المنطقة بجهود الدفاعات اليمنية

 كنوز ميديا – متابعة

في حين حاولت الولايات المتحدة تدمير البنية التحتية العسكرية لأنصار الله من خلال تنفيذ مئات الغارات الجوية على اليمن على مدى العامين الماضيين، فإن هذه الإجراءات لم تفشل في تعطيل عمليات دعم صنعاء في غزة فحسب، بل كانت أيضا بمثابة حافز للقوة الدفاعية اليمنية، وخاصة الدفاع الجوي، لتحقيق تقدم كبير.

وخلال هذه الفترة، تمكنت أنصار الله، بالإضافة إلى قدرتها على إسقاط 21 طائرة أمريكية بدون طيار باستخدام أنظمة دفاعية، من الحصول على تقنيات جديدة تجعل حتى الطائرات المقاتلة الأمريكية الأكثر تقدمًا غير آمنة من الدفاعات اليمنية.

وبعد إسقاط طائرة مقاتلة أميركية من طراز إف-18 في البحر الأحمر في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، والتي أسقطتها نيران الدفاع عن النفس أثناء محاولتها الهروب من هجوم صاروخي لأنصار الله، تم مؤخرا إخراج ثاني طائرة مقاتلة في البلاد عن الخدمة بطريقة مختلفة.

وفي هذا الصدد، وفي حادثة نادرة، سقطت طائرة مقاتلة من طراز إف-18 في البحر الأحمر من على سطح حاملة الطائرات الأميركية هاري إس ترومان يوم الاثنين (28 مايو/أيار).

وقال مسؤولون أمريكيون لم يكشف عن هويتهم لشبكة CNN إن الطائرة المقاتلة تحطمت في البحر أثناء سحبها بواسطة قاطرة. يتم عادة سحب الطائرات المقاتلة الموجودة على حاملة الطائرات إلى حيث تكون هناك حاجة إليها لأي عمليات طيران أو مهام أخرى.

ووقعت حادثة تحطم المقاتلة إف-18 عندما اضطرت السفينة الأميركية إلى تغيير مسارها فجأة لتجنب الإصابة بصاروخ أطلقه اليمنيون، ما أدى إلى سقوط المقاتلة في البحر أثناء سحبها بواسطة قاطرة.

ويشير إسقاط الطائرات المسيرة والمقاتلات الأميركية في الأشهر الأخيرة إلى أن معادلات القوة في المنطقة تغيرت، وأن واشنطن لم تعد قادرة على تنفيذ خططها كما في السابق.

العالم منبهر بالتكنولوجيا الدفاعية المحلية اليمنية

في ظل حصار اقتصادي وعسكري وسياسي شديد فرضه التحالف بقيادة السعودية على اليمن منذ سنوات، فإن ظهور قوة دفاع محلية فعالة في أيدي أنصار الله يعد أمرا فاجأ المحللين العسكريين.

نجحت أنصار الله في إنشاء شبكة دفاعية فعالة وخطيرة للطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار الأمريكية، وذلك بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي العسكري والدعم الأجنبي والهندسة العكسية. وفي السنوات الأخيرة، انشغل اليمنيون بتطوير قدراتهم العسكرية الجوية، من الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة إلى الطائرات بدون طيار.

لقد فاجأت قدرات هذه الحركة في المجال الدفاعي العالم.

وتشير تقارير مختلفة إلى أن أنصار الله حصلت على صواريخ محلية متطورة مثل “ثاقب، برق، فاطر، وحاتم” متوسطة المدى، وهي قادرة على تدمير الأهداف على ارتفاعات عالية. كما أن بناء معدات التتبع الإلكترونية، مثل أجهزة استقبال الرادار الافتراضية، يسمح لأنصار الله بتحديد الأهداف وتتبعها دون الحاجة إلى الرادارات النشطة، القادرة على تدمير الطائرات بدون طيار والمقاتلات الأميركية.

وحتى التقارير الاستخباراتية الغربية تؤكد أن أنصار الله نجحت في صنع أسلحة مصنوعة من مزيج من المكونات الصينية والروسية والإيرانية، والتي يصعب على الأنظمة الأميركية اكتشافها.

كما شكلت جماعة أنصار الله تهديداً خطيراً للأساطيل البحرية الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام صواريخ باليستية مضادة للسفن مثل “آصف” و”تانكل” التي يتراوح مداها بين 450 و500 كيلومتر.

وتتمتع هذه الصواريخ بسرعتها العالية وقدرتها الدقيقة على الاستهداف، وهي قادرة على تدمير السفن العسكرية والتجارية. ومن ناحية أخرى، أدى تطوير الصواريخ الأسرع من الصوت والغواصات غير المأهولة والطائرات بدون طيار إلى جعل اليمن قوة لا جدال فيها في البحر الأحمر، حتى أن الغربيين غير قادرين على مواجهتها.

لقد تطورت التكنولوجيا العسكرية في اليمن إلى درجة أن مسؤولي البنتاغون اعترفوا بأن العمليات اليمنية في البحر الأحمر كانت التحدي الأكبر الذي واجهته أميركا منذ الحرب العالمية الثانية.

وجاء انتصار صنعاء في منطقة كانت الولايات المتحدة تزعم السيطرة على منافذ الدخول والخروج منها، لكن البلاد تجد نفسها الآن أمام تحدي غير مسبوق.

تجدر الإشارة إلى أن اليمن كان يمتلك خلال فترة رئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح مجموعة من أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي التي تم توريدها بشكل رئيسي من الاتحاد السوفييتي السابق ودول الكتلة الشرقية.

وتضمنت هذه الأسلحة صواريخ دفاع جوي قصيرة المدى مثل سام-7، وسام-14، وسام-16. لكن في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبحجة منع الجماعات الإرهابية مثل القاعدة من الوصول إلى هذه الأسلحة، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على حكومة صالح لتدمير بعض هذه الأنظمة. لكن أنصار الله، بإدارتهم وحكمتهم، استطاعوا استعادة القدرة الدفاعية السابقة، هذه المرة ليس بالمساعدات الخارجية بل باستخدام القدرات المحلية، وخلق نوع من الردع ضد الأعداء.

وبذلك أصبحت اليمن الآن لاعباً محورياً في الصراع الإقليمي، وخاصة في مواجهة الهيمنة الأميركية ودعم القضية الفلسطينية، انطلاقاً من موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

ووصلت قدرات أنصار الله الدفاعية والهجومية، باستخدام التقنيات المتقدمة، إلى مستوى يشكل تهديداً خطيراً للقوات العسكرية الأميركية وحلفائها.

ورغم أن المسؤولين الأميركيين يتهمون إيران دائماً بإرسال الأسلحة إلى اليمن دون أي دليل، إلا أن ما تمتلكه أنصار الله الآن يتم تصنيعه بنسبة 100% داخل اليمن.

لقد أثبت أنصار الله أنهم يستطيعون خلال فترات الحرمان الاعتماد على قوتهم الداخلية للتغلب على الأزمات التي خلقها لهم الآخرون.

وعندما كشفت جماعة أنصار الله عن صواريخها الأسرع من الصوت لأول مرة في الصيف الماضي، زعم الغرب أن اليمن لا يملك التكنولوجيا اللازمة لهذه الأسلحة، واعتبر ذلك خدعة عسكرية. لكن مع هبوط أول صاروخ فرط صوتي في الأراضي المحتلة، أذهل العالم أجمع وتغيرت نظرة الغرب إلى القدرات المحلية لليمنيين.

إلى درجة أن المسؤولين الأميركيين أعربوا صراحة عن قلقهم إزاء تعقيد وكفاءة أنظمة الدفاع لدى أنصار الله. وقال بيل لابلانت، نائب وزير الدفاع الأميركي في إدارة جو بايدن، في هذا الصدد: “نحن نواجه عدواً يمتلك، على عكس ما نتصوره، تكنولوجيا دفاعية وصاروخية متقدمة”. “وهذا أدى إلى اختلال التوازن التكتيكي في البحر الأحمر”.

رسائل من قوات دفاع صنعاء إلى واشنطن

إن تعزيز القدرة الدفاعية لليمن وخلق الردع ضد العدو يوجه رسائل واضحة للمعتدين الأمريكان. ورغم أن الطائرات المقاتلة مثل إف-15 وإف-18 تتمتع بقدرة عالية على المناورة، فإن الصواريخ اليمنية المحلية القادرة على التهرب من الإشارة يمكن أن تشكل تهديداً محتملاً لها، وخاصة في الرحلات الجوية القريبة من الساحل أو في عمليات الاعتراض على ارتفاعات متوسطة.

وهناك مسألة أخرى وهي أن الولايات المتحدة كانت تعتبر حتى سنوات قليلة مضت القوة بلا منازع في الخليج الفارسي والبحر الأحمر، ولكن الآن لم تعد سماء المنطقة آمنة للطائرات بدون طيار والمقاتلات الأميركية الباهظة الثمن. الطائرات بدون طيار مثل MQ-9A Reaper، والتي تتراوح تكلفتها بين 30 مليون دولار و45 مليون دولار، يتم إسقاطها بسهولة كما أن استبدالها مكلف ويستغرق وقتا طويلا.

وبالإضافة إلى ذلك، عندما تتمكن جماعة مقاومة مثل أنصار الله من إسقاط عدة طائرات عسكرية أميركية، فإن الرسالة إلى حلفاء واشنطن تكون واضحة: “إن المظلة الأمنية الأميركية ليست فعالة دائماً”.

منافسو واشنطن يستفيدون من تجربة اليمن الناجحة

ونظراً للنجاحات المذهلة التي حققتها جماعة أنصار الله في إسقاط الطائرات بدون طيار وتهديد الطائرات المقاتلة الأميركية، فإن الجيش الأميركي يشعر بالقلق من أن روسيا والصين قد تستغلان هذه التجربة الاستراتيجية وتستخدمانها لضرب منافسهما القوي في أي صراع مستقبلي.

روسيا، التي تسعى إلى تحديث أساليب الدفاع الجوي غير التقليدية مع الحرب في أوكرانيا، قد تستخدم النموذج اليمني للدفاع السريع واللامركزي. وستستفيد الصين، التي تسعى إلى تطوير قدرات منع الوصول (A2/AD) حول تايوان وبحر الصين الجنوبي، أيضاً من الخبرة الدفاعية اليمنية في تصميم أنظمة مضادة للطائرات بدون طيار محلية الصنع وغير رادارية.

ويظهر هذا الاتجاه أن نجاحات اليمن لا تقتصر على المستوى الإقليمي، ويمكن أن تلهم استراتيجيات جديدة لاحتواء التفوق الجوي الأميركي في مناطق أخرى.

ولكن أنصار الله لم ينجحوا فقط في أن يصبحوا قوة محلية تنتج الأسلحة على الرغم من الحصار، بل نجحوا أيضاً في جعل سماء البحر الأحمر غير آمنة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها من خلال بناء دفاع جوي حديث وخفي.

وتشكل هذه القدرة تهديدا استراتيجيا غير متوقع لواشنطن، فهي لا تشكل تحديا عسكريا فحسب، بل تشكل أيضا تحديا نفسيا وسياسيا. ولذلك، فإن الولايات المتحدة وحلفائها بحاجة إلى مراجعة عاجلة لعقيدة الدفاع والتشويش الإلكتروني لديهم للحفاظ على التفوق الجوي في المنطقة. ع666

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى