السديس… صوت الخنوع من منبر الحق

بقلم _ غيداء شمسان غوبر

في زمنٍ تاهت فيه البوصلة، واختلطت فيه الأصوات، وبات الحق غريباً والباطل مألوفاً، يرتفع صوتٌ من مكانٍ كان يُفترض أن يكون منارةً للهدى، ومصدحاً بالحق، وملاذاً للمستضعفين. إنه صوتٌ نعرفه، يتردد صداه في الآفاق، لكنه ليس صدىً للوحي الذي نزل، ولا للعدل الذي أمر به، ولا للرحمة التي تجسدت في سيرة النبوة. إنه ويا للأسف، صوت الخنوع من منبر الحق.

من على منبرٍ طاهرٍ، شُيّد ليُعلي كلمة الله، ويُذكّر الأمة بعزّتها وكرامتها، ويُحاسب الظالم ويُنصف المظلوم، يأتينا صوتٌ مُهادنٌ، مُبرّرٌ، مُزيّنٌ لوجه القبح. إنه صوت السديس، الذي تحوّل من قارئٍ للقرآن يُبكي القلوب بخشوعه، إلى بوقٍ للسلطان يُدمي القلوب بخنوعه. لقد باع قدسية الكلمة بثمنٍ بخس، ورهن هيبة المقام في دهاليز السياسة الضيقة، وصار يُفتي بما يُرضي الحاكم، لا بما يُرضي الخالق.

يا لها من مأساةٍ تتجسد في رجلٍ! أن ترى من يُفترض فيه أن يكون حارساً على الشريعة، يصبح أداةً لتطويعها وتكييفها لتخدم أهواء السلطة. أن ترى من يُفترض فيه أن يكون ناصحاً أميناً للأمة، يصبح مُضللاً يُبرّر القمع ويُشرّع الاستبداد. أن ترى من يُفترض فيه أن يكون صوتاً للمستضعفين، يصبح صدىً لصوت القويّ الذي يبطش ويُفسد.

هذا الصوت الذي يخرج من منبر الحق، ليس صوتاً حراً، بل هو صوتٌ مُكبّلٌ بقيود الخوف أو الطمع أو كليهما. إنه ليس صوتاً ينبع من قلبٍ يخشى الله وحده، بل من قلبٍ يخشى زوال النعمة أو غضب السلطان. إنه ليس صوتاً يُعلي شأن الأمة وكرامتها، بل صوتاً يُكرّس تبعيتها ويُبرّر إذلالها.

لقد أصبح المنبر، في حضرة هذا الصوت، مجرد خشباتٍ صماء، لا روح فيها ولا حياة. وأصبحت الكلمات التي تُقال عليه، مجرد حروفٍ ميتة، لا تُحرّك ساكناً ولا تُوقظ ضميراً. لأن الروح قد غادرت، والضمير قد صمت، حين اختار صاحب الصوت أن يكون خادماً للباطل، لا شاهداً على الحق.

إن السديس، بهذا الصوت الخانع الذي يصدح من منبر الحق، ليس مجرد شخصٍ أخطأ أو انحرف. بل هو رمزٌ لانحطاطٍ مُريع، وتجسيدٌ لكارثةٍ كبرى أصابت الأمة في مقتل. كارثةٌ تمثلت في تحويل الدين من قوةٍ مُحرّرةٍ ومقاومةٍ للظلم، إلى أداةٍ لتكريس الاستبداد وتخدير الشعوب.

متى يُدرك الناس أن الصوت الذي يخرج من منبر الحق يجب أن يكون صوتاً للحق، حتى لو كان مُراً؟ متى يُميّزون بين الشيخ الربانيّ الذي يصدع بالحق ولا يخشى في الله لومة لائم، وبين المسخ السلطانيّ الذي يبيع دينه بدنياه ودنيا غيره؟

إن صوت الخنوع من منبر الحق هو وصمة عارٍ لا تُمحى بسهولة. وهو جرحٌ غائرٌ في جسد الأمة. ويبقى الأمل معقوداً على أن تُنجب الأمة من جديد أصواتاً حرةً، صادقةً، لا تخشى إلا الله، لتعيد للمنبر هيبته، وللكلمة قدسيتها، وللحق صولته، وللأمة عزّتها وكرامتها التي سُلبت منها على مرأى ومسمع من أصواتٍ اختارت الخنوع على الصدع بالحق.

#الحملةالدوليةلفك حصار مطارصنعاء
#اتحاد كاتبات اليمن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى