الشهداء لا يُساوَمون… والكرامة لا تُباع!

بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي

حين تسير في شوارع المدن المحررة، لا ترى فقط أبنيةً نفضت عنها غبار الخراب، بل ترى أرواحًا ما زالت هناك، مغموسة في تراب الأرض، شاهدة على أعظم ملحمة خاضها حشد في وجه الموت. كل حجر في الموصل وتكريت والفلوجة والأنبار يهمس باسم شهيد، وكل نخلة في سامراء وكل جدار في آمرلي يُنصت لوصية بطل قال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: “لا تبكوا عليّ، بل احرسوا العراق.”

في زمنٍ كانت فيه جيوش الإرهاب تسير بلا رادع، وكان العالم منشغلًا بالحسابات الباردة، وقف الحشد الشعبي ومعه القوات الأمنية، جيشًا وشرطة اتحادية، مكافحة إرهاب وردّ سريع، ليحفروا أسماءهم في تاريخ الأمة. لم يسألوا عن طائفة، ولا عن قومية، ولا عن اتجاه سياسي، سألوا فقط: “أين يقف الوطن؟” وذهبوا إليه ولو كان في فوهة النار.

لكن اليوم، بعد أن عادت الحياة، نرى من يتنكر لدمهم، ممن صعدوا إلى المنابر السياسية على أكتاف التضحيات، ثم تخلوا عنها على أول تقاطع مع المصالح الخارجية. أصبح البعض يبرر ويتغافل ويعتذر نيابة عن شهدائنا أمام أطراف دولية كان بعضها، بصمت أو بدعم مباشر، سببًا في معاناتنا.

لن نذكر أسماءً، ولن نلوّح باتهامات، فالقضية أوضح من أن تحتاج دليلاً. من يخجل من صور الشهداء في مؤتمراته، لا يمثل إرادتنا، ومن يتجنب ذكر بطولاتهم خوفًا من إزعاج بعض العواصم، لا يحمل همّ العراق في قلبه.

القمة العربية، رغم أهميتها الدبلوماسية، تبقى شأنًا سياسيًا لا يمكن مقارنته بما قدّمه الشهيد البسيط الذي خرج من بيته بلا منصب ولا راتب، فقط بإيمان لا يتزعزع بأن الوطن لا يُترك. تلك الدماء لا تُعادِلها بيانات، ولا تواقيع، ولا مصافحات.

تقول أحد أمهات الشهداء: “قال لي ابني، إذا استشهدت فلا تبكي كثيرًا، بل ارفعي صورتي أمام بيتنا… أريد أن يعرف الجيران أن ابنك مات واقفًا من أجلهم.”
هذه الأم لا تطالب بثمن، ولا تطلب تعويضًا، فقط تريد كرامة لابنها، فهل كثيرٌ علينا أن نصون ذكراهم في ضمائرنا وسياستنا وخطابنا الإعلامي؟

يا من تمثلون الشعب في مناصبكم، تذكروا أنكم تجلسون على كراسي روتها دماء، وأن الشهداء لا يمكن استبدالهم بابتسامة في اجتماع، أو وعد دبلوماسي. الشهداء لا يُساوَمون، والتاريخ لا يرحم المتنكرين.

ضياء ابو معارج الدراجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى