«العلم لا وطن له»

بقلم_  الشيخ عبدالمنان السنبلي

بهذه العبارة القصيرة برر صاحب نظرية النسبية وأحد أهم وأبرز علماء الفيزياء والرياضيات في التاريخ «إلبرت اينشتاين» رفضه التام والمطلق القبول بعرض كان قد عُـرض عليه لـشغل منصب أول رئيس للكيان..
«حاييم وايزمان» بدوره، وكان عالماً كيميائياً شهيراً أيضاً، وحين ذهبوا بذلك العرض إليه، سارع على الفور ولم يتردد للحظة واحدة في قبوله..
وكان أول رئيس لهذا لكيان..
وهنا قد يتساءل البعض طبعاً عن ذلك السر الذي حدى بمؤسسي هذا الكيان إلى أن يحرصوا يومها على أن يأتوا بأحد العلماء اليهود المشهورين؛ ليشغل أول أعلى منصب رسمي في هذا الكيان..
إلا أن هذا، في الحقيقة، ليس موضوعي..
أو ما لفت انتباهي..
ما لفت انتباهي هنا، بصراحة، هو ذلك التباين والإختلاف الواضح، والذي وصل إلى حد التعارض التام والتقاطع الكلي، في طريقة تعاطي كل من «اينشتاين» و«وايزمان» مع ذلك العرض، الأمر الذي يشـير إلى حقيقة واحدة مفادهـا أن العلمـاء ليسوا كلهم سواء..!
وأننا أمام صنفين منهم:
صنف يحترم نفسه وعلمه، فلا يرى في العلم إلا وسيلة للنهوض بالإنسان والبشرية جمعاء مراعياً بذلك كل الأبعاد الإنسانية والقيمية والأخلاقية..
وهولاء هم من يجب أن ترفع لهم قبعة الإحترام..
وصنفٌ آخر يتخذ من علمه مطيـة للوصول إلى تحقيـق غايات ورغبات وأهواء ومطامع مادية وانتهازية خاصة دون مراعاة لأي بعد إنساني أو قيمي أو أخلاقي..
وهؤلاء هم من يحق لك أن تبصق على وجوههم..
هكذا، بصراحة، يأتي تصنيف العلماء دائماً على اختلاف مشاربهم وانتماءتهم الدينية والوطنية والثقافية، أو تخصصاتهم العلمية بمن فيهم علماء الدين طبعاً..
الخطير في الموضوع أن النسبة الأكبر من العلماء يأتي ذكرهـم غالباً ضمن أو في إطار الصنف الثاني، الأمر الذي، بدوره، يفسِّر هذه الحالة المزرية والمتردية التي وصل إليها العالَم اليوم من البؤس والإنحطاط القيمي والأخلاقي والتصادم والإضطراب وعدم الإستقرار..
ففي عالمنا وواقعنا العربي والإسلامي مثلاً، وخصوصاً في أوساط علماء الدين، والذين، بدورهم، لا يزالون، يشكلون الغالبية العظمى من إجمالي عدد العلماء، نجد أن الكثيرين والكثيرين منهم لا يأتي ذكرهم غالباً إلا ضمن أو في إطار الصنف الثاني..!
يصورون لك دائماً بأن لحومهم مسمومة..
والحقيقة المرة التي يجهلها الكثيرون أن سهام أفكارهم وتفكيرهم هي المسمومة أصلاً..
يختزلون الدين كله في «طاعة الأمير» حتى غدا هذا الدين في أيديهم مجرد سوطٍ يجلدون به العقل والعلم وكل ما يمكن أن ينغص أو يعكر صفو الأمير….
فينكرون المعروف حيناً، ويبررون للمنكر حيناً آخر..
أو بحسب ما يرغب له الأمير..
يرددون على مسامعك دائماً: «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»، ولا تجد أحداً سواهم متخصصاً وبارعاً في إذكاء نارها وإشعال جدوتها..
فيلبسون الحق بالباطل، ويدسون السم في العسل، كما يدسون حبوب «الفياجرا» في عسل «الغابة السوداء» لإنتاج ما يقولون أنه أقوى أنواع المنشطات الجنسية (الطبيعية) المطابقة تماماً لمواصفات الطب النبوي..
ولهم في ذلك تجارب طويلة..
وبراءات اختراع كثيرة..
وليس هذا بالطبع آخر ما توصلوا إليه..!
فآخر ما توصلوا إليه، في الحقيقة، هو: الويـسكي الحلال..
أو بحسب علمي..
تجدهم يصـولون ويجـولون في كل ميـدان، إلا ميـدان الجهـاد، فالجهـاد عندهم لا يكون إلا بالسنن لا بالسيف حتى يصحو ضمير الأمير..
فإذا لقوا الأعداء، يلقونهم بالأحضان والقبلات..
وإما إخوة الدين والعقيدة، فيواجهونهم دائماً بالتكفير وأقاويل الزور والبهتان..
وأما المقاومة، فيجرمون أعمالها ورموزها، في الوقت الذي يبيحون فيه حفلات الرقص واللهو والمجون..!
هؤلاء، باختصار، هم علماؤنا من الصنف الثاني..
علماء هجروا الخيول، وذهبوا يركبون «اللكسز» و«البنز» و«اللاموزين» و..!
وأما علماؤنا من الصنف الأول، والذين نجدهم دائماً يحقون الحق ويبطلون الباطل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم..
العلماء الذين يؤمنون بأن العلم لا يقبل بأن يخضع لأهواء حاكمٍ هنا أو رغبات سلطان هناك،
وأنه لا أرض أو وطن له،
فهولاء للأسف الشديد، قليلون في هذا الزمان..
وهذا، في الحقيقة، هو سر شقاؤنا..!

#جبهة_القواصم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى