تحليل سياسي – شيعياً — نحن ناصحون
بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي
منذ تسلّمه منصب رئاسة الوزراء، تحرك محمد شياع السوداني بثبات على مسارين متوازيين: الأول هو إعادة إعمار ما دمرته الحروب وسوء الإدارة، والثاني محاولة بناء جسر متهالك بين الحكومة والشعب العراقي الغاضب. وبالفعل، نجح في الملف الخدمي بدرجة أفضل من سابقيه؛ تحسّنت بعض الخدمات الأساسية، وبدأت مشاريع البنية التحتية ترى النور، بل إن بعض المناطق بدأت تشعر بوجود دولة حقيقية تعمل لأجل المواطن، لا ضده.
لكن هذا النجاح الخدمي، الذي لا يمكن إنكاره، لم يُترجم إلى نجاح سياسي. بل على العكس، فإن خطوات السوداني الجريئة على الساحة الداخلية والخارجية بدأت تعجّل بفتح “أبواب جهنم” عليه. إصراره على عقد القمة العربية في بغداد “بأي ثمن”، ولقاؤه المثير للجدل مع أبو محمد الجولاني، إضافة إلى إنزال صور الشهداء بطريقة فُهمت سياسياً على أنها استفزازية لبعض الأطراف، كلها عوامل ساهمت في خلق مناخ سياسي محتقن حوله.
السوداني، رغم وقوفه على أرض صلبة خدمياً، إلا أنه وقع في فخ سياسي رُسم بعناية. الأصوات التي سيحصدها في الانتخابات المقبلة ستكون كثيرة، لكنها لن تصب في صالحه، بل في صالح حلفائه مثل تيار الحكمة، وائتلاف النصر، وحركة سند، وتحالف عطاء، الذين أصرّوا على البقاء معه وركوب قطار إنجازاته. هؤلاء يرونها فرصة ذهبية لا تُعوَّض لتوسيع مقاعدهم، حتى وإن كان ذلك على حساب الرجل نفسه. فهم يمتلكون خبرة انتخابية واسعة، وقواعد ثابتة، تجعل مرشحيهم يحصدون أصواتًا أعلى من مرشحي تيار الفراتين، ويكونون الأقرب إلى رأس القائمة، ما يمكّنهم من الفوز بغالبية المقاعد على حساب مرشحي السوداني.
أما ائتلاف دولة القانون، فإن لم يكن نوري المالكي هو مرشحه الأول في بغداد، فسيواجه فشلًا ذريعًا. وما يُتداول عن “ثقات المالكي” الذين سيقودون المعركة الانتخابية، ما هم إلا أسماء مجهولة للعامة، أو شخصيات لا تحظى بأي شعبية، بل إن بعضهم مكروه أساسًا من الشارع، وسيكونون عبئًا على القائمة لا رافعة لها.
إن مشاركة نوري المالكي شخصياً في الانتخابات، لو حدثت، ستغير قواعد اللعبة. فهي ستدفع التيار الصدري – رغم انسحابه المعلن – إلى العودة بشكل أو بآخر، لا حبًا بالمشاركة، بل لمنع عودة المالكي إلى رئاسة الوزراء. فالتيار الصدري يرى في عودته معركة وجودية لا يمكن التنازل عنها.
أما هادي العامري وقيس الخزعلي، فجمهورهما ثابت، لا يتوسع ولا يتقلص. الخطاب نفسه، المقاعد نفسها، الحاضنة الشعبية ذاتها. لا خسائر كبيرة، ولا مكاسب جديدة.
السوداني أثبت أنه رجل دولة حين تعلّق الأمر بالخدمة العامة، لكنه فشل سياسيًا لأنه لم يدرك أن النجاح الخدمي في العراق لا يعني بالضرورة النجاح الانتخابي، بل قد يكون في بعض الأحيان طريقًا معبّدًا نحو السقوط، إن لم يُدار بذكاء سياسي وتحالفات مدروسة. الفخ الذي نصبه له حلفاؤه باسم “الدعم” قد يتحول إلى منصة انطلاق لطموحاتهم، ونهاية محتملة لحضوره السياسي.