كنوز ميديا – متابعة
بعد مرور شهرين على المجازر التي شهدها الساحل السوري، يفيد سكان محافظة اللاذقية بحدوث انتهاكات فردية وجماعية ينفذها عناصر الأمن العام، وتضييق على الحريات الشخصية، مطالبين الحكومة بوضع حد لذلك.
تعيش محافظة اللاذقية (غربي سوريا) حالة من التناقض الأمني منذ احداث اذار /مارس الفائت التي راح ضحيتها المئات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، من الطائفة العلوية في مجازر وحشية ارتكبتها فصائل تصفها الحكومة الانتقالية بأنها “غير منضبطة”.
شهادات الأهالي
تشهد المحافظة حالة من الانقسام الأمني. يكاد المرور على حاجز عسكري يكون أشبه بـ”ضربة حظ”، كما يصفه السكان. قد يمر الشخص بسلام ومع ابتسامة واعتذار، أو قد يخرج إليك أحد العناصر ويبدأ سيلاً من الأسئلة. وقد تصل الأمور إلى تفتيش الهاتف الشخصي، بالتوازي مع عبارات طائفية يتلفظ بها العناصر أثناء عملية التفتيش.
يقول بعض سكان مدينة اللاذقية إن تضييق الخناق والانتهاكات الأمنية لم تعد تستهدف، كما كانت في السابق، الطائفة العلوية فحسب، ويشيرون إلى أن القتل قد يطال أبناء الطائفة العلوية دون بقية الطوائف، إلا أن بقية الطوائف باتت أيضاً لها حصة من الانتهاكات، وخصوصاً بعد الانتهاكات التي ينفذها بعض عناصر الأمن العام بشأن اللباس الشخصي أو طبيعة العلاقة بين شاب وشابة.
باتت المدينة توصف بمدينة التناقضات، حيث يعيش بعض أحيائها حياة طبيعية رغم كل التحديات الأمنية، في حين هناك أحياء ينتهي يومها عند مغيب الشمس نتيجة الأحداث التي تتكرر يومياً في مناطقهم من قبل عناصر يتبعون للأمن العام أو أشخاص ينتحلون صفة جهاز الأمن العام، وذلك نتيجة الفلتان الأمني الذي يعتبره البعض مقصوداً في الأحياء التي تسكنها غالبية علوية.
وأكد سكان في اللاذقية، خلال الاستماع إلى شهاداتهم عن الأوضاع في المدينة، أن هناك تغييراً واضحاً في تعامل بعض حواجز الأمن العام مؤخراً، إذ باتت القسوة في التعامل واضحة خلال عملية التفتيش، ومنهم من بات يتدخل في اللباس الشخصي للشباب، وينزل بعضهم من سياراتهم ويوبخهم، وأحياناً تصل الأمور إلى الضرب.
وبيّنت الشهادات أن هناك تذمراً كبيراً من تصرفات بعض عناصر الأمن العام، فالتصرفات تصدر عن الذين تم تجنيدهم مؤخراً، ومعظمهم صغار في السن، إذ يتعاملون بمنطق “التشبيح”، كما يصفهم الأهالي، مؤكدين أن مشاهد التشبيح لم تغب عن المحافظة رغم سقوط النظام، فالوجوه فقط هي التي تغيرت فيما الأفعال والتصرفات نفسها.
صيف ساخن يهدد لقمة عيش الأهالي
تعد محافظة اللاذقية منطقة سياحية، ولكن بات واضحاً أن السياحة ستقتصر على بعض المحافظات القريبة، في حين سيحرم سكانها من النزول إلى البحر، نتيجة تضييق الحريات على اللباس الذي اعتاد سكان المحافظة من كل الطوائف ارتداءه خلال الصيف.
هذه المخاوف بات الأهالي يعبّرون عنها. وقد قرر العديد منهم العزوف عن المشاركة في الموسم السياحي تجنباً لأي حالة استفزاز قد يتعرّضون لها، مطالبين الدولة السورية بالتدخل وإصدار قوانين واضحة تساهم في إنقاذ الموسم السياحي الذي تعتاش منه آلاف العائلات، وذلك بإيقاف قرارات الأجهزة الأمنية الفردية وعدم التدخل بحياة السكان ولباسهم وطريقة حياتهم التي اعتادوها.
وأكد السكان الذين تواصلنا معهم أن “غياب قوانين واضحة لتسيير الحياة في البلاد فتح المجال أمام الأجهزة الأمنية للتصرف وفق ما تراه مناسباً لأفكارها ومعتقداتها، من دون أدنى احترام لحريات الآخرين من كل الطوائف”، مشيرين إلى أن أي اعتراض على هذه القوانين الفردية قد يعرضهم للشتائم والتهديد والوعيد والاعتقال، سواء كان المعترض رجلاً أو امرأة.
وطالب السكان الحكومة السورية الانتقالية بإعادة تأهيل عناصر جهاز الأمن العام الجدد الذين ساهموا بشكل كبير في تصاعد عمليات الانتهاك و”التشبيح” ضد الأهالي نتيجة غياب الخبرة في التعامل مع المدنيين، إذ ساهم التجييش الطائفي بتغذية عقول العناصر الجدد في استهداف بقية الطوائف.
وشدد الأهالي على ضرورة إيقاف الانتهاكات في الساحل، وإيجاد حلول سريعة لبسط الأمن والأمان عبر عناصر مدربة على احترام السكان والابتعاد عن التدخل في حرياتهم الشخصية، الأمر الذي يخفف من حالة الغليان الشعبي التي باتت تتزايد يوماً بعد يوم، والتي أثرت بشكل كبير في الحركة التجارية والسياحية في المحافظة التي يعاني معظم سكانها فقراً شديداً، في ظل غياب المساعدات الإنسانية.
عنف متزايد في التعامل مع القضايا اليومية
وأكد السكان ضرورة إيجاد حل لإيقاف العنف الذي يرتكبه بعض عناصر الأمن العام في طريقة حل بعض المشكلات التي لا علاقة لها بأي حدث أمني، إذ قد تؤدي مخالفة سير إلى تعرض مرتكبها للتعنيف والاعتقال، مشيرين إلى أن معظم المشكلات اليومية، في حال تدخل الأمن العام بها، قد تنتهي بضرب شديد واعتقال، مطالبين بإبعاد جهاز الأمن عن التدخل في أي مشكلة لا علاقة لها بالواقع الأمني واقتصار الأمر على شرطة مدربة على احترام حقوق الإنسان.
وبيّن السكان أن الكثير من المشكلات التي تحدث يومياً من سرقات واعتداءات بات الأهالي يتخوفون من تقديم الشكوى بشأنها، خوفاً من تحولهم إلى جُناة أو تعرضهم لاعتداءات نتيجة غياب الخبرة عند الكثير من العناصر الذين تم تجنيدهم ضمن دورات لم تستغرق أسبوعين.
مطالبة الحكومة بالتدخل السريع
نسبة كبيرة من السكان ترفض الوصاية الخارجية على الساحل، وتطالب الحكومة السورية باستغلال الفرص وإغلاق الباب أمام من يريد تقسيم البلاد، مؤكدةً أن جزءاً من جهاز الأمن العام يساهم في تصاعد الانتهاكات التي تؤدي إلى مطالب التقسيم، ومطالبةً بإيقاف الانتهاكات اليومية وإصدار قوانين صارمة تحد من الاعتداءات والطائفية وحماية كل السكان بدون أي تمييز.
وأكد السكان الذين قابلناهم أن الساحل يعيش حالة من الخوف اليومية، إذ تتكرر انتهاكات الفصائل المنفلتة التي ترفض الخروج من المناطق التي تتمركز فيها، مشيرين إلى أن هناك محاولات حثيثة للأمن العام لإخراج تلك الفصائل، ولكنها لم تنجح نتيجة مخاوف الدخول في صدامات قد تؤدي إلى اقتتال مسلح.
وبات من الضرورة، قبل أن يبدأ الموسم السياحي، إخراج الفصائل المسلحة كافة من الساحل، وإشراك أبناء المحافظة في جهاز الأمن العام لحماية مناطقهم، الأمر الذي يعزز الحالة الأمنية ويغلق الأبواب أمام الذين يساهمون في إخلال الأمن العام في المحافظة لزيادة التوترات الطائفية، وفقاً للأهالي.
نداء أخير للمنظمات الإنسانية
وطالب السكان بضرورة استنفار المنظمات الإنسانية لمساعدة المناطق التي شهدت مجازر، حيث يعيش بعضها شبه حصار نتيجة وجود بعض الفصائل المتشددة في محيطها، ما أدى إلى تدهور الحالة الإنسانية فيها، في ظل غياب تابع للمنظمات الحكومية وغيرها، مثل الهلال الأحمر. وحالياً، تقتصر المساعدات على التبرعات التي يجمعها الأهالي لمساندة بعضهم بعضاً من دون تمييز.ع666