*التَّجَمُّعُ الإِسْلَامِيُّ هُوَ أَمْثَلُ الطُّرُقِ لِتَكْوِينِ التَّجَمُّعَاتِ الدَّوْلِيَّةِ*
بقلم _ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ المَهْدِيِّ
مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ السَّيْرَ بِالْإِنْسَانِيَّةِ فِي مَدَارِجِ الرُّقِيِّ، وَقِيَامَ الْعَلَائِقِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَى أُسُسٍ مِنَ المَوَدَّةِ وَالفَضِيلَةِ وَالْإِخَاءِ وَالعَدَالَةِ، إِنَّمَا يَكُونُ تَحْتَ ظِلِّ الدِّينِ الإِسْلَامِيِّ الَّذِي يَجْعَلُ أُسُسَ الوَحْدَةِ قَائِمًا عَلَى الْإِخَاءِ وَالمَوَدَّةِ وَالتَّقْوَى، وَاحْتِرَامِ الكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، لَا عَلَى أَسَاسِ كَرَامَةِ السُّلَالَةِ، تَحْتَ ظِلِّ العُنْصُرِيَّةِ الَّتِي تَقُومُ بِتَفْضِيلِ عُنْصُرٍ عَلَى عُنْصُرٍ كَمَا هُوَ الحَالُ فِي أَمْرِيكَا وَإِسْرَائِيلَ، فَالتَّجَمُّعُ عَلَى هَذَا الأَسَاسِ إِنَّمَا هُوَ شَكْلٌ مِنْ أَشْكَالِ التَّجَمُّعِ الحَيَوَانِيِّ، الَّذِي يُفَضِّلُ الجِنْسَ الأَبْيَضَ عَلَى الجِنْسِ الأَسْمَرِ وَالأَسْوَدِ وَالأَصْفَرِ.
فَلَيْسَ التَّجَمُّعُ عَلَى أَسَاسٍ عُنْصُرِيٍّ إِلَّا بَقِيَّةً مِنْ بَقَايَا الحَيَوَانِيَّةِ المُتَنَاحِرَةِ، وَإِنَّا لَنَرَى ذَلِكَ وَاضِحًا فِي التَّعَامُلِ الصِّهْيَوْنِيِّ اليَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مَعَ الشُّعُوبِ العَرَبِيَّةِ وَمَعَ شَعْبِ فِلَسْطِينَ، وَالَّذِي يُمَثِّلُ صُورَةً لِلتَّحَكُّمِ العُنْصُرِيِّ الحَيَوَانِيِّ المُتَنَاحِرِ، بَلْ هُوَ أَخَصُّ ظَوَاهِرِهِ.
إِنَّ الوَحْدَةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الإِسْلَامُ تَقُومُ عَلَى وَحْدَةِ المَبَادِئِ الخُلُقِيَّةِ، وَالعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
فَهُوَ اجْتِمَاعٌ عَلَى مَبَادِئِ الفَضِيلَةِ وَالأَخْلَاقِ: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾.
فَالتَّجَمُّعُ الإِسْلَامِيُّ هُوَ أَمْثَلُ الطُّرُقِ لِتَكْوِينِ الجَمَاعَاتِ الدَّوْلِيَّةِ لِتَكْوِينِ الأُمَمِ؛ لِأَنَّ الجَمَاعَةَ الوَاحِدَةَ لَا تَتَكَوَّنُ مِنْهَا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ إِلَّا إِذَا اتَّحَدَتِ المَشَاعِرُ وَالأَهْوَاءُ وَالمَنَازِعُ النَّفْسِيَّةُ، وَلَا يَتَكَوَّنُ ذَلِكَ بِحُكْمِ فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ وَطَبِيعَتِهِ تَحْتَ سُلْطَانِ تَبَادُلِ المَنَافِعِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَبَادُلَ المَنَافِعِ يَحْصُلُ فِيهِ تَعَاوُنٌ لَحْظَةَ قِيَامِهَا، وَيَزُولُ بِزَوَالِهَا، وَهَذَا الظِّلُّ العَارِضُ فِي المَنَافِعِ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الأَحْوَالِ وَالأَزْمِنَةِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ اسْتِمْرَارُ وَحْدَةِ أُمَّةٍ وَعِزِّهَا لِمُجَرَّدِ تَبَادُلِ اقْتِصَادٍ أَوْ حُصُولِ مَنْفَعَةٍ مَادِّيَّةٍ، بَلْ سَرْعَانَ مَا يَنْهَارُ ذَلِكَ التَّعَاوُنُ، وَيَتَحَوَّلُ هَذَا التَّجَمُّعُ إِلَى تَفَرُّقٍ وَتَمَزُّقٍ وَتَنَازُعٍ لِمُجَرَّدِ حُصُولِ تَحَوُّلٍ اقْتِصَادِيٍّ أَوْ ثَقَافِيٍّ أَوْ سِيَاسِيٍّ… تَخْتَلِفُ فِيهِ المَصَالِحُ، وَتَتَغَيَّرُ فِيهِ النَّظَرِيَّاتُ.
أَمَّا اجْتِمَاعُ الإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَ بِهِ القُرْآنُ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ المَتِينِ، الَّذِي يُطِيعُ فِيهِ أَهْلُهُ القُرْآنَ، وَالْخَاضِعِ لِقَوْلِ الرَّحْمَنِ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وَ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَنَّ المُؤْمِنِينَ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ المُؤْمِنِينَ إِخْوَةٌ، وَأَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ حَقَّ المَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ وَالعَدَالَةِ، فَقَدْ خَالَفَ أَحْكَامَ القُرْآنِ، وَدَخَلَ فِي ضِمْنِ مَنْ يُشَاقِقُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ جَاءَ فِي القُرْآنِ الحَكِيمِ:(وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً).
فَلَا يَجُوزُ لِدَوْلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ إِقْلِيمٍ إِسْلَامِيٍّ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ أَخْرَجَ المُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ أَوْ طَائِفَةً مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ مَنْ يُقَاتِلُ المُسْلِمِينَ فِي فِلَسْطِينَ، وَلَا الَّذِينَ ظَاهَرُوا وَعَاوَنُوا عَلَى إِخْرَاجِهِمْ كَمَا هُوَ الحَاصِلُ مِنْ زُعَمَاءِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ فِي أَمْرِيكَا وَغَيْرِهَا، مِمَّنْ يُقَدِّمُونَ الدَّعْمَ وَالعَوْنَ لِلَّذِينَ يَضْطَهِدُونَ المُسْلِمِينَ فِي فِلَسْطِينَ وَغَيْرِهَا مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ نَهَارًا جِهَارًا، وَالَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْعَلُوا مِنَ المُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ مَغْنَمًا يَغْتَنِمُونَهُ، وَأَبْقَارًا يَسْتَدِرُّونَ حَلِيبَهَا وَيَمْضُغُونَهُ عَلَى مَرْءٍ وَمَسْمَعٍ مِنَ النَّاسِ كَافَّةً.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ تَكُونَ أَرْضُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ مُسْتَرَدًّا لِجُيُوشِهِمْ، يضعون فِيهَا قَوَاعِدَ يَنْقَضُّونَ مِنْهَا عَلَى بُلْدَانٍ إِسْلَامِيَّةٍ، مِمَّا يَجْعَلُ أَرْضَ المُسْلِمِينَ مُطْعَمًا لِنِيرَانِهِمْ، وَمَلْعَبًا لِصَوَارِيخِهِمْ وَطَيْرَانِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ سَاسَةَ العَرَبِ وَالمُسْلِمِينَ تُلْقِي إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ، وَتُزَوِّدُهُمْ بِالعُدَدِ وَالعَتَادِ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُصْغُوا إِلَى قَوْلِ الرَّحْمَنِ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ).
فَلَا يَجُوزُ لِزُعَمَاءِ الأُمَّةِ وَمُلُوكِهَا وَقَادَتِهَا وَرُؤَسَائِهَا فِي أَيِّ بَلَدٍ إِسْلَامِيٍّ أَنْ يُعْطِيَ الثِّقَةَ فِي رَسْمِ سِيَاسَاتِهِ لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ الجِزْيَةَ تَحْتَ شِعَارِ الهَدِيَّةِ لِمَنْ يُضَار المُسْلِمُين وَيُقَاتِلُهُمْ فِي فِلَسْطِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِنَصِّ القُرْآنِ الحَكِيمِ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾، ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾. وَلْيُصْغِ قَادَةُ العَرَبِ وَالمُسْلِمِينَ أَسْمَاعَهُمْ إِلَى قَوْلِ العَزِيزِ الحَكِيمِ: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
فَالْمُؤْمِنُونَ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمَنِ اعْتَدَى عَلَى أَيِّ إِقْلِيمٍ إِسْلَامِيٍّ فَقَدِ اعْتَدَى عَلَى المُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ أَيِّ إِقْلِيمٍ إِسْلَامِيٍّ فَقَدِ انْتَقَصَ مِنْ أَرْضِ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا.
فَالْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَالقُرْآنُ قَدْ أَوْجَبَ نُصْرَةَ أَيِّ جَمَاعَةٍ مُؤْمِنَةٍ تَسْتَنْصِرُ عَامَّةَ المُسْلِمِينَ، كَمَا أَرْشَدَ إِلَى ذَلِكَ القُرْآنُ العَظِيمُ: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. وَمُقْتَضَى الوِلَايَةِ هُوَ النُّصْرَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.
وَمَا يَحْدُثُ فِي الوَاقِعِ مِنْ قِبَلِ غَالِبِ زُعَمَاءِ الأُمَّةِ مِنَ الخُضُوعِ وَالخُنُوعِ لِزُعَمَاءِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ، وَعَدَمِ إِعْلَانِ جِهَادِهِمْ، وَإِرْشَادِهِمْ لِلْإِسْلَامِ، وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي عَرْضِ المُثُلِ الإِنْسَانِية وَالإِسْلَامِيِّة عَلَيْهِمْ وَتَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ عَلَيْهَا، وَالعَبَثِ بِالمَالِ وَعَدَمِ صَرْفِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَلِلْمُجَاهِدِينَ، وَلِبِنَاءِ قُوَّةِ الأُمَّةِ فِيهِ انْحِرَافٌ وَإِعْرَاضٌ عَنْ مَنْهَجِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا.
وَ الوَاجِبُ يَتَقَاضَى كُلَّ أَقَالِيمِ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ أَنْ تَتَضَافَرَ وَتَتَعَاوَنَ مِنْ أَجْلِ إِخْرَاجِ الظَّالِمِينَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَكَفِّ يَدِهِمْ عَنْ ظُلْمِهَا.
إِنَّ ٱلصُّهْيُونِيَّةَ ٱلْيَهُودِيَّةَ وَسَاسَتَهَا يُسُومُونَ أَهْلَنَا فِي فِلَسْطِينَ سُوءَ ٱلْعَذَابِ، وَيُفْرِضُونَ عَلَيْهِمُ ٱلطُّغْيَانَ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَاجَعْ زُّعَمَاءُ الأمة عَمَّا هُمْ قَائِمِينَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِأَيِّ حَالٍ اعْتِبَارُهُمْ آخِذِينَ بِمَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِ، وَلَنْ تَكُونَ ٱلْأُمَّةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَا مُطِيعَةً لِلْقُرْآنِ إِذَا لَمْ تَأْخُذْ بِمَنْهَجِهِ، ﴿وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
ٱلْعِزَّةُ لِلَّـهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَٱلْخِزْيُ وَٱلْهَزِيمَةُ لِلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ. وَلَا نَامَتْ أَعْيُنُ ٱلْجُبَنَاءِ.