كيف يخطط نتنياهو لتهجير الفلسطينيين من غزة تحت أنقاض منازلهم؟

كنوز ميديا – متابعة

في واحدة من أكثر التسريبات خطورة منذ اندلاع الحرب على غزة، كشفت جلسة مغلقة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي النقاب عن تصريحات صادمة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تكشف عن استراتيجية ممنهجة لتفريغ القطاع من سكانه عبر تدمير البنية التحتية وحرمان الفلسطينيين من أي أفق للعودة، هذه التصريحات، التي لم يكن من المفترض أن ترى النور، تفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات أخلاقية وسياسية وقانونية حول مشروع تهجير جماعي قسري يجري تنفيذه بصمت، تحت غطاء الحرب.

تهجير بصيغة حديثة: تدمير المنازل كأداة للتطهير السكاني

قال نتنياهو في الجلسة المغلقة: “ندمر المزيد من المنازل في غزة يومًا بعد يوم، وبالتالي لن يجد الفلسطينيون مكانًا يعودون إليه”، هذه العبارة التي تفيض بصراحة غير معتادة تكشف نوايا القيادة الإسرائيلية الحقيقية، وتؤكد أن الهدف من العمليات العسكرية لم يكن فقط “تحييد التهديدات”، بل خلق واقع جديد على الأرض، يدفع السكان نحو الهجرة القسرية.

في ظل تدمير أكثر من 80% من الأبنية السكنية شمال القطاع، وانهيار البنية التحتية في معظم المناطق، يصبح البقاء فعلًا بطوليًا مستحيلًا، لم تعد غزة مكانًا للعيش، بل خريطة مدمرة محاصرة، لا تحتوي على الحد الأدنى من مقومات الحياة.

الهجرة كهدف: من التهجير إلى التوطين خارج فلسطين

نتنياهو لم يخفِ نواياه بشأن التهجير، بل ذهب أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن “النتيجة الوحيدة ستكون هجرة الغزيين خارج القطاع، لكن التحدي الأكبر هو إيجاد دول توافق على استقبالهم”.

هذا التصريح يعيد إلى الأذهان نماذج قديمة من التهجير القسري في القرن العشرين، ويكشف أن هناك تصورًا إسرائيليًا بأن غزة يمكن أن تُفرغ تدريجيًا من سكانها، وقد سبق أن اقترح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على مصر والأردن استقبال لاجئين فلسطينيين، في خطوة قوبلت برفض قاطع من الجانبين، اللذين أكدا على حق الفلسطينيين في البقاء في وطنهم.

اللعب على الأوتار الإنسانية: “مؤسسة غزة الإنسانية” كمشروع تهجير ناعم

في إطار محاولة جديدة لتجاوز الرفض الدولي، أطلق الاحتلال مشروعًا باسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، مهمته الأساسية إدارة توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع، لكن عبر نموذج مركزي تتحكم فيه “إسرائيل” بالكامل.

الخطة تقوم على إنشاء مراكز توزيع في جنوب القطاع، تحديدًا في منطقة رفح، مع منع الفلسطينيين من العودة إلى المناطق المدمرة شمالًا، حسب هذه الخطة، سيُحشر أكثر من مليوني فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 25% من غزة، وسط ظروف معيشية متدهورة، مع فرز أمني دقيق يشرف عليه الجيش الإسرائيلي لتحديد من يُسمح له بالحصول على المساعدات.

ورغم التسمية الإنسانية، فإن هذه المؤسسة تعمل كذراع تهجير ناعمة، تسعى إلى إقناع الفلسطينيين بأن الحياة في غزة لم تعد ممكنة، وأن الهجرة، بأي وسيلة، هي الخيار الوحيد.

وثائق بلا عودة: اتفاقيات تقيّد الفلسطينيين وتمنعهم من العودة

ضمن ما يبدو أنه “برنامج تجريبي”، أجبر الاحتلال العشرات من الفلسطينيين الذين حصلوا على تصاريح سفر مؤقتة للعمل أو العلاج خارج القطاع على توقيع وثائق تُقرّ بأنه لا يوجد جدول زمني لعودتهم.

حتى الأطفال الذين خرجوا للعلاج، تم منعهم من العودة بعد تعافيهم، هذا الإجراء، إلى جانب تدمير المنازل، يخلق واقعًا قانونيًا واجتماعيًا يُصعّب إمكانية المطالبة بالعودة في المستقبل، في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب.

تهجير جماعي بصمت العالم: لماذا لا يتحرك المجتمع الدولي؟

رغم وضوح هذه السياسات، فإن الموقف الدولي لا يزال مترددًا، ويفتقر إلى الفاعلية، الرفض العربي لخطة التوطين كان واضحًا، لكنه لم يترافق مع خطوات عملية لوقف التهجير، كما أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية امتنعت عن التعاون مع مشروع “مؤسسة غزة الإنسانية”، لكنها لم تقدم بدائل واقعية أو ضغطًا فعالًا على الاحتلال لإيقاف هذه السياسات.

التسريبات تؤكد أن الاحتلال لا يقدم أي ضمانات للفلسطينيين بشأن إمكانية عودتهم، وهو ما يدفع العديد من الدول إلى الامتناع عن استقبالهم خوفًا من التورط في مشروع تهجير دائم.

هل من مشروع استيطاني بديل؟ تصريحات ومقترحات مثيرة للقلق

رغم نفي نتنياهو وجود خطط حالية لإقامة مستوطنات إسرائيلية في غزة، فإن تصريحات بعض النواب داخل الكنيست تشير إلى أن فكرة “الاستيطان التعويضي” لا تزال على الطاولة، النائبة ليمور سون هار-مليخ اقترحت علنًا نقل يهود أمريكا إلى غزة كـ”حل لمشكلتين في وقت واحد”، في تصريح يعكس منطق الاحتلال في التعامل مع الأرض الفلسطينية كمجال خاضع للتصرف الديموغرافي وفق المصالح الإسرائيلية.

ما بعد التهجير: تحويل غزة إلى منطقة خاضعة للسيطرة العسكرية

الخطة التي تحدث عنها نتنياهو تتضمن تحويل جنوب القطاع إلى منطقة “إنسانية” خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية المباشرة، مع منع السكان من مغادرتها أو العودة إلى ديارهم السابقة.

بهذا الشكل، تصبح غزة ليست فقط محاصرة من الخارج، بل أيضًا مفصّلة داخليًا إلى مناطق خاضعة للفرز، تشبه إلى حد بعيد ما جرى في جنوب أفريقيا خلال نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، حيث تم تجميع السكان الأصليين في “بانتوستانات” فقيرة محاصرة.

نتنياهو وأوهام الضم: خطة فاشلة أم نوايا قائمة؟

خلال الجلسة، أشار نتنياهو إلى مناقشات سابقة أجراها مع ترامب حول إمكانية ضم غزة إلى الإدارة الأمريكية، لكنه أقر بوجود عقبات كبرى أمام هذا السيناريو، رغم عدم جدية الخطة، فإن مجرد طرحها يعكس العقلية التي تدير بها “إسرائيل” الصراع: تحويل القضية الفلسطينية من مسألة حقوق وطنية إلى ملف إداري مؤقت قابل للحل عبر الإزاحة الجغرافية والتسويات السياسية.

نحو تطهير عرقي صامت؟

حين يُدمّر الاحتلال المنازل عمدًا، ويمنع العودة، ويخنق القطاع إنسانيًا، ويدفع السكان للرحيل، ثم يمنعهم من العودة، فهذا ليس مجرد نزاع مسلح، بل هو مشروع تطهير عرقي بصيغة حديثة، يُدار بوسائل مركبة تجمع بين القصف والإدارة والسيطرة النفسية والاقتصادية.

الاحتلال لا يريد غزة بشعبها، بل أرضًا فارغة أو خاضعة بالكامل، هذه هي الحقيقة التي تتكشف يومًا بعد يوم.

في الختام تكشف تصريحات نتنياهو الأخيرة أن ما يُنفذ في غزة ليس ارتجالًا عسكريًا، بل خطة مدروسة تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية دائمة، الصمت الدولي، والانشغال الإقليمي، والتواطؤ الأمريكي، كلها عوامل تمنح “إسرائيل” الضوء الأخضر للمضي في مشروعها الخطير.

لكن التاريخ علمنا أن الشعوب لا تُمحى بالجرافات، وأن الحق في الأرض لا يُلغى بالخرائط الجديدة أو توقيعات القهر، على العالم أن يدرك أن ما يجري ليس فقط مأساة إنسانية، بل جريمة سياسية متكاملة الأركان تتطلب مواجهة عاجلة، قانونية وشعبية، قبل أن تتحول غزة إلى ذكرى بلا سكان. ع.666

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى