الثوابت الوطنية: بين التسييس والتغيير”(الطائفيون والانفصاليون والإماميون والثوابت”)

 بقلم _ الفريق_سلطان_السامعي 

الاربعاء 14 مايو ـ 2025م
مدخل…
في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها اليمن خلال العقدين الأخيرين، يبرز مقال الفريق سلطان السامعي المعنون “الطائفيون والانفصاليون والإماميون والثوابت”، والمنشور في صحيفة المستقلة بتاريخ 15 أغسطس 2007، كواحد من النصوص المفصلية التي تعكس بوضوح رؤيته النقدية إزاء الممارسات السياسية في اليمن آنذاك. يتناول السامعي في مقاله مسألة “الثوابت الوطنية”، التي سعت السلطة إلى تحويلها إلى قانون، كاشفًا عن كيف تحوّلت هذه “الثوابت” إلى أداة لفرض هيمنة أيديولوجية تتحكم في تعريف الهوية والانتماء، وتقصي كل من يخرج عن نسقها الرسمي.

ورغم مرور ما يقارب عقدين على صدور المقال، إلا أن أفكاره لا تزال تحتفظ براهنيتها، بل تزداد وضوحًا وسط استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمزق اليمن. لقد تحوّل النص من مجرد شهادة على لحظة تاريخية، إلى دعوة متجددة للتأمل في حاضر البلاد واستشراف مستقبلها.

◾تفكيك “الثوابت” كسلطة أيديولوجية
يفتتح السامعي مقاله بتفنيد المفهوم الفضفاض لـ”الثوابت”، مشدّدًا على أن لا شيء في هذا الكون يثبت سوى الله، وأن التغير هو سُنّة الحياة وسر ديمومتها. ومن هذا المدخل الفلسفي، يشرع في نزع القداسة عن مفهوم “الثوابت الوطنية”، الذي حاولت السلطة تقنينه، متهمًا إياه بمحاولة شرعنة القمع، وتقييد الحريات، وإسكات المعارضين تحت غطاء الحفاظ على الدولة.

في هذا السياق، تتبدى “الثوابت” كما يصوّرها السامعي، خطابًا سلطويًا يُفرض من أعلى، يضبط تعريف الوطن والانتماء، ويخدم بقاء السلطة لا بقاء الدولة.

◾هويات متعددة…ومواطنة منقوصة

يكشف المقال عن مشهد صارخ للتمييز الممنهج الذي مارسته السلطة ضد فئات بعينها من الشعب:

أبناء تعز يُوصَمون بالطائفية،

الجنوبيون يُتّهمون بالانفصال،

أبناء صعدة يُلاحَقون بتهمة الإمامية،

الهاشميون يُشيطَنون بالعمالة،

المهمّشون من ذوي البشرة السمراء (الأخدام) يُجردون من يمنيتهم.

بهذا المشهد، يُظهر السامعي كيف أن تعريف “المواطن الصالح” صار حكرًا على من يبايع النظام ويبارك فساده، فيما يُقصى الآخرون ويُلاحقون بتهم جاهزة.

◾سلطة تُعرّف الانتماء وتقمع التنوع

يمضي المقال في رسم بانوراما دقيقة للقمع الذي يُمارس على أسس مناطقية وطائفية وعرقية، حيث تتحوّل المطالب المشروعة إلى جرائم. فالعطشى في تعز طائفيون، والمحتجون في الجنوب انفصاليون، والناقمون في صعدة ملكيون، والمهمّشون يُسلَبون أدنى حقوق المواطنة.

لقد امتلك السامعي وعيًا مبكرًا بخطورة احتكار السلطة لتعريف الوطنية، وبناء خطاب يستبعد كل من لا يرضخ لها، فيما تُمنح أدوات الفساد غطاءً سياسيًا وأخلاقيًا باسم “الثوابت”.

◾دعوة إلى كسر الخوف وبناء وعي مقاوم
ما يميز هذا النص أنه لا يكتفي بالنقد، بل يحمل نبرة تحريضية رزينة، تدعو إلى كسر شرنقة الخوف، والوقوف إلى جانب المسحوقين، ومغادرة مربع الصمت. لا يتحدث السامعي من برج عاجي، بل يكتب كجزء من تجربة نضالية خرجت من الهامش، تراهن على وعي شعبي في طور التكوين، لا على نخب اعتادت المهادنة.
بلغة مباشرة ونافذة، يحذّر من أن التغيير قادم، وأن الاستبداد ذاته هو من يغذيه ويدفع عجلته، في استشراف مبكر لاحتجاجات كانت في الأفق آنذاك، وها هي اليوم حقائق متراكمة.

◾نص يتجاوز لحظته
رغم مرور أكثر من 18 عامًا على نشر المقال، لا يزال خطابه ينبض بالحياة. بل لعلّه اليوم أكثر صدقًا وحدّة، في ظل تعثّر مشروع الدولة، واستمرار أدوات الإقصاء، واحتكار مفاهيم الوطنية. لقد تحوّل النص إلى مرآة تكشف ما آلت إليه “الهوية الوطنية” عندما تختزلها السلطة في أجهزتها، وتُعرّف نفسها ضد شعبها.

ولذا، فإن العودة إلى مقال السامعي ليست عودة إلى الماضي، بل استدعاء حيوي للحاضر، وفهم جذور الأزمة في بنيتها السياسية والاجتماعية العميقة، لا في مظاهرها العنيفة فقط.

◾رسالة لا تزال تُسمع

ومع كل هذا الزمن الذي مضى، لا يزال السامعي يطرح سؤالاً مؤلمًا: هل تغيّر شيء؟ أم أنه لا يزال يصرخ، لكن في وادٍ أكثر خواء؟

إنها رسالة لا تفقد معناها، بل تستعيد قوتها كلما حاولت السلطة حينها واليوم من احتكار الحقيقة، وكلما ارتفعت أسوار الإقصاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى