نبعة وإخوتها السبعة… (غزة) حكاية الخزي المتكرر

بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي

من ذاكرة الأمهات والجدات، نُحيي حكاية قديمة تُروى حول نار الحطب في ليالي الشتاء القاسية، لكنها تحمل في طياتها معنى لا يذبل، ولا يخبو وهجه رغم الزمن: حكاية “نبعة وإخوتها السبعة”.

كانت “نبعة” امرأة فاتنة ذات حظ من الجمال، تزوجت من رجلٍ يعيش بعيدًا عن ديار أهلها، مسيرة يومٍ كامل. وفي أحد الأيام، اصطحبها زوجها لزيارة أهلها، ثم تركها عندهم وقفل راجعًا لشأنٍ خاص، موصيًا إخوتها السبعة بأن يعيدوها إلى بيتها لاحقًا.

نفذ الإخوة الوصية، واصطحبوا أختهم في رحلة العودة. وبينما كانوا يستريحون عند نبع ماء، ظهر فارس غريب، نزل يشرب ويسقي فرسه، ثم وقعت عينه على “نبعة”، فانبهر بجمالها، وسألهم: “من هذه؟”، فأجابوه بصوتٍ واحد: “نحن إخوة نبعة”.
قال مستغربًا: “من نبعة؟”، فأجابوا: “أختنا هذه، ونُعيدها إلى زوجها”.

هنا أدرك الفارس أن هؤلاء ليسوا رجالًا، بل مجرد أصواتٍ خاوية، لا فِعل لها ولا هيبة.
رسم خطًا على الأرض، وقال متحديًا: “من يعبر هذا الخط سأقطعه بسيفي”.
وقف الإخوة وراء الخط كالأنعام، مشدوهين خائفين، لم يحرك أحدهم ساكنًا. ثم أخذ الفارس “نبعة”، واعتدى على شرفها، ورحل غير آبه.

عادت “نبعة” باكية تلعن إخوتها، فاستقبلوها بضحكٍ ساخر وقال أحدهم: “لقد عبرنا الخط ورجعنا، ولم يشعر بنا!”.

تمامًا هكذا… يقف الإخوة العرب اليوم خلف الخط.
فلسطين، غزة تحديدًا، هي “نبعة” هذا العصر. تنتهك كل يوم، تُقصف، وتُباد، ويُغتال رجالها وأطفالها ونساؤها بلا رحمة، ولا يزال “الإخوة” العرب يكتفون بالتصريحات والمؤتمرات والقلق.

يرسم العدو خطوطًا لا يجوز للعرب تخطيها:
– لا تتدخلوا عسكريًا.
– لا ترسلوا إغاثة إلا بما نسمح.
– لا تفتحوا الحدود.
– لا تدينوا علنًا.

ويقف الإخوة خلف الخط، صامتين، بل ويضحكون أحيانًا، متفاخرين ببياناتهم ووساطاتهم الفارغة.
منهم من يبارك التطبيع، ومنهم من يلعن الاحتلال سرًا ويصافحه علنًا، ومنهم من يتذرع بالعجز.

لكن الحقيقة، كما في الحكاية، أن السكوت خزي، وأن الجبن لا يُخفيه ضجيج الشعارات.
غزة، يا عرب، ليست فقط نبعة، بل شرفكم الذي يُنتهك كل يوم وأنتم تشهدون.
فهل من فارس؟
أم أنكم جميعًا ما زلتم واقفين… خلف الخط؟

ضياء أبو معارج الدراجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى