قمة بغداد .. منصة استراتيجية لإعادة رسم الاقتصاد العربي

كنوز ميديا _ بغداد

يعقد هذا التجمع العربي الكبير في وقت يشهد فيه العراق نهوضاً اقتصادياً ملحوظاً، حيث صعد إلى المرتبة الرابعة بين الاقتصادات العربية وفق بيانات 2025، متجاوزاً عدة دول كانت تسبقه في السنوات الماضية. هذا التقدم لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة سياسات إصلاحية بدأت تثمر بعد سنوات من التحديات الأمنية والسياسية.

الخبير في الشؤون الاقتصادية بمركز الدراسات الاستراتيجية العربية، الدكتور علي حسين، يرى أن “اختيار بغداد لاستضافة هذه القمة ليس حدثاً بروتوكولياً عادياً، بل هو اعتراف عربي بإعادة العراق إلى وضعه الطبيعي كقلب نابض للاقتصاد العربي”. ويضيف: أن “العراق اليوم يمتلك كل المقومات ليكون محوراً للتعاون الاقتصادي العربي، من موقعه الجغرافي المتميز إلى موارده الطبيعية الهائلة وقوة سوقه الاستهلاكية» .

 

مشروع طريق التنمية

في صلب الاستراتيجية العراقية للقمة يأتي مشروع «طريق التنمية»، الذي يمتد من الموانئ الجنوبية في البصرة حتى الحدود التركية شمالاً. هذا المشروع لا يقتصر على كونه شرياناً للنقل البري فحسب، بل يشمل إنشاء مناطق صناعية وزراعية وخدمية على طول مساره الذي يبلغ 1200 كيلومتر.

في حديثه لـ”الصباح” تابعته “كنوز ميديا” ، كشف مدير عام شركة تطوير الطرق العراقية، المهندس رائد جبار، عن أن “المشروع يتضمن إنشاء 15 مدينة صناعية متخصصة، و7 مناطق لوجستية دولية، وعدداً من المراكز التجارية الكبرى”. وأضاف: “هذا الطريق سيكون بمثابة العمود الفقري لشبكة نقل إقليمية تربط الخليج العربي بأسواق أوروبا عبر تركيا، مما يختصر زمن الشحن بنسبة 40 بالمئة مقارنة بالطرق التقليدية» .

التنويع الاقتصادي

ورغم التقدم الملحوظ، مازال الاقتصاد العراقي يعاني من اختلالات هيكلية، أبرزها الاعتماد شبه الكلي على قطاع النفط الذي يُسهم بنحو 90 بالمئة من الإيرادات العامة. هذا الوضع يجعل الاقتصاد عرضة لصدمات أسعار النفط العالمية، كما حدث خلال الأزمات الاقتصادية الأخيرة.

وفي هذا الصدد، حذرت الخبيرة في شؤون الطاقة بجامعة بغداد، الدكتورة هناء محمود، من أن “الاقتصادات الأحادية أصبحت من الماضي في عالم يتسم بالتحولات السريعة”، موضحة أن “العراق يحتاج إلى خطة زمنية محددة للتقليل من اعتماده على النفط، والاستثمار في قطاعات واعدة مثل الطاقة المتجددة حيث نمتلك أحد أعلى معدلات سطوع الشمس في العالم، والصناعات التحويلية،

والزراعة الحديثة» .

 

الاستثمارات العربية

تعتبر مسألة جذب الاستثمارات العربية أحد المحاور الرئيسة في أجندة القمة. العراق يطمح إلى استقطاب استثمارات عربية في قطاعات استراتيجية مثل البنية التحتية، والإسكان والصحة، والتعليم، والتي تحتاج إلى استثمارات تقدر بمئات المليارات من الدولارات خلال العقد المقبل.

ويرى رئيس غرفة تجارة بغداد، سعدون العبادي أن “الاستثمارات العربية في العراق ستكون مربحة للطرفين”. ويشرح: “لدينا فرص استثمارية ضخمة في مجال الإسكان حيث العجز يقدر بمليوني وحدة سكنية، وفي قطاع الكهرباء الذي يحتاج إلى استثمارات تصل إلى 50 مليار دولار، وفي مجال السياحة الدينية التي يمكن أن تجذب ملايين الزوار سنوياً» .

 

التحديات والمعوقات

ورغم التفاؤل السائد، تبقى هناك تحديات جادة تواجه تعزيز التعاون الاقتصادي العربي، أبرزها، الاختلافات في السياسات الاقتصادية بين الدول العربية، والمعوقات البيروقراطية والإجرائية، ونقص التمويل للمشاريع الكبرى، إضافة إلى المنافسة الإقليمية والدولية.

ويشير الخبير في الشؤون المالية، الدكتور عمر الزيدي، إلى أن “العراق يحتاج إلى إصلاحات تشريعية وإجرائية عميقة لجذب الاستثمارات”. ويضيف: “نظامنا الضريبي يحتاج إلى مراجعة، وإجراءات منح التراخيص تحتاج إلى تبسيط، وحماية المستثمرين تحتاج إلى تعزيز» .

 

الفرص الواعدة

في المقابل، تبرز العديد من الفرص التي يمكن أن تجعل من العراق وجهة استثمارية جاذبة، أبرزها الموقع الجغرافي المتوسط بين أكبر الأسواق العربية، والموارد الطبيعية الهائلة (النفط، والغاز، والمعادن، والأراضي الزراعية)، إلى جانب القوة البشرية (شباب متعلم وطموح)، وكذلك الحاجة الكبيرة لإعادة الإعمار في جميع القطاعات.

 

الرؤية المستقبلية

هذا وتتطلع الحكومة العراقية إلى أن تشكل القمة منصة لإطلاق شراكات اقتصادية عربية طويلة الأمد. رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أكد في كلمة له مؤخراً أن «العراق يعمل على تحويل التحديات إلى فرص، والفرص إلى واقع ملموس». وأضاف: «لدينا رؤية واضحة لتحويل العراق إلى مركز اقتصادي إقليمي خلال العقد المقبل» .

 

خارطة الطريق

ويتوقع المراقبون أن تخرج القمة بعدة نتائج ملموسة، منها توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي مع عدة دول عربية، وإطلاق صندوق استثماري عربي-عراقي برأسمال أولي 5 مليارات دولار، فضلاً عن الموافقة المبدئية على مشاريع بنية تحتية مشتركة، مع تشكيل لجان متابعة لتنفيذ التوصيات.

وبذلك، فإن قمة بغداد العربية 2025 تمثل اختباراً حقيقياً لإرادة الدول العربية في تعزيز التعاون الاقتصادي المشترك، إذ إن النجاح في تحقيق نتائج ملموسة ستكون له آثار إيجابية على الاقتصاد العراقي، وعلى الاقتصاد العربي بأكمله.م333

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى