الوجه الآخر للعدوان..!

بقلم _ كوثر العزاوي

من الظواهر البارزة في مرحلتنا هذه، انتشار الشائعات والإشاعات. والفرق بين المعنيَيْن كما جاء في كتب اللغة هو:
«الإشاعة»: هي تضخيم الأخبار الصغيرة، وإظهارها بصورة تختلف عن صورتها الحقيقية، فهي إذن أخبار موجودة، ولكن يتم إظهارها بالتهويل والتعظيم.
أمّا«الشائعة»: فهي أقوال أو أخبار أو أحاديث، يختلقها البعض لأغراض عدوانية خبيثة، ويتناقلها الناس بحسن نيّة دون التحقّق من صدقها.
أو لعدمِ وعيٍّ دون معرفة صحّتها.
ومن هذا المنطلق، كانت ولازالت حرب الإشاعات والشائعات من أقوى الحروب التي يعتمدها الأعداء منذ عصر الرسالات والى يومنا هذا، ففي غزوة أحد مثلًا وفي خضم احتدام المعركة، أشاعوا بين المسلمين أن ‎النّبي”صلى الله عليه وآله” قد قُتل، وذلك لكسر عزيمة المسلمين ودفعهم للاستسلام. ولايزال يتعرض المجتمع الإسلامي وبصورة دائمة لإثارة الفتن وإرباك الوضع العام، من خلال الشائعات الكاذبة، فمهما اختلفت الدوافع في بثّ الشائعات الكاذبة، فالنتيجة واحدة هي تدمير إرادة المجتمعات‏، لذا عُدّ هذا الأسلوب من أخطر الرذائل التي متىٰ فَشَت في أمّة من الأمم‏، اضطربت أحوالها‏، وتزلزت الثقة بين أبناء المجتمع وبين قادتهم، وقد يتفشىٰ بينهم سوء الظنّ المبنيّ على الأوهام لا على الحقائق. ولم تفتأ الشائعات تتطور وتتبلور في الوسط البشري مع تطور وسائل التكنلوجيا الحديثة، وبلوغ ذروتها في عصرنا الحاضر، مع ضراوة غزو الذكاء الأصطناعي الذي يحوّل الصمت الى كلام، والسكون إلى احتدام، وهو عامل استغفالٍ وخراب في كل مايحدث من حروب ودمار على صعيد العالم أجمع. وعلى سبيل الذكرى، بإنّ أكثر الناس عُرضةً للشائعات الكاذبة‏، هم الأنبياء والأولياء، ثمّ الأمناء على الدين، والمصلحون المخلصون‏، والأتقياء الأخيار‏، فلم ينجو من الكذب عليهم في حياتهم وحتى بعد موتهم!. وهذا ثابت منذ فجر الإنسانية‏ وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها‏، فلا عجب لذلك!. لذا ورد في الإسلام توصيات عديدة تؤكد على تحرّي الأخبار وتداولها، بما يحقق ضرورة صحتها، وأمانة نقلها، والتثبّت قبل إذاعتها. ومن هذا المنطلق أيضا نجد في القرآن الكريم موارد اللّوم للذين يأخذون بالأخبار دون التأمّل فيها، بل يدعو إلی تحليلها وفهمها، أو عرضها علی أهل الخبرة والمعرفة، قبل تبنّيها ونشرها، كما جاء في صريح قوله”عزوجل”:
{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَإِلَی أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} النساء: ٨٣
فقد نفهم التأكيد الواضح من الآية وحرصها على عدم الاستعجال في نقل الخبر وإفشائه؟!. علاوة على ذلك، وضعت الشريعة الإسلامية عقابًا محدَّدًا للذين ينشرون الأخبار الكاذبة، والتي تُعدُّ من الإشاعة الباعثة على القنوط وعدم الاستقرار في المجتمع، ولعل الكثير مما يصدر من شائعات وإشاعات في وقتنا الحاضر، هي مما يروِّج لها الإعلام الصهيوأمريكي عبر أجنداته بهدف ترويع المجتمع، وزعزعة أمان الخصوم، من منطلق الحرب الإعلامية الممنهجة، لإسقاط جهات معيّنة، أو لأهداف أخرى ماكرة!.
أمّا الدرس المستفاد مما ذكرنا: ونحن نعيش صراعٌ بين جبهتين، بين الحق والباطل، الكيان الصهيوني الغاصب وحرب الإبادة في غزة وجنوب لبنان من جهة، والأعتداءات الأمريكية المتغطرسة على يَمن العزة، وتدخّلاتها في شؤون الشعوب المستضعفة من جهة أخرى، فضلًا عن الحروب الداخلية في مواجهة المخططات والتآمر على الشعوب الآمنة في العراق وسوريا وإيران، كلّ ذلك كفيل بارتفاع منسوب حرب الإشاعة لتراها على أشدّها، حتى لايكاد يتبيّن الرشد من الغيّ، إعلام أصفر تتبنّاه شخوص أو جهات مشحونة بالغلّ والكراهية تارة، أو حفنة من المرتزقة منزوعة الضمير تتولى المهمّة تارة أخرى، غاية مافي الأمر، هو تدمير الحالة النفسية لأتباع الحقّ والمؤيدين له، وبعثرة الأوراق وذرّ الرماد في العيون!. ونحن في زمن السرعة والإنترنت وتنوّع مواقع التواصل الاجتماعي، نتعرض يوميًا لكَمٍّ هائل من بثّ المعلومات والأخبار والحوادث، ولعلّ الأعمّ الأغلب مِمّن لايتحرّى صحة مصدر مايسمع ويرى، ولا يكلّف نفسه عناء تقصّي الخبر، أو على الأقلّ التريث في السبق، وعدم التسابق!. لذا يمكننا القول: بأننا في غَمرِ بحرٍ لجيّ يغشاهُ موج الشائعات الكاذبة، والإشاعات المضخّمة، قد يصعب مقاومة تيارها. فما علی المؤمن الواعي سوى التحلّي بروحية التدقيق، مع الحاجة الى كثير من اليقظة لمعرفة كيفية التعامل مع الشائعات بوعي وحكمة، ولاينبغي أن يكون سطحيًا ليتبنّى كلّ ما يُعرَض في مواقع التواصل، بل يَجتنب عواقبها السلبية، سواء كانت تخص أشخاصًا معيّنين، أو تخص فئات عموم المجتمع.

١٨-ذي القعدة-١٤٤٦هجري
١٦-أيار- ٢٠٢٥ميلادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى