زيارة ترامب: لكسب المال الخليجي وتخويف إيران… لكن الخوف ضرب إسرائيل
بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي
في مشهد يتكرر كأنه من مسرحية سياسية باهتة، تهلل بعض الأنظمة العربية لزيارة رئيس أمريكي، كما لو أنه المنقذ المنتظر أو الضامن للأمن والسيادة. هكذا كان حال بعض السُّنّة، بل وبعض غُمان الشيعة أيضًا، ممن ظنوا أن زيارة ترامب للخليج والسعودية تمثل كابوسًا لإيران. بينما الحقيقة التي لا يريد كثيرون مواجهتها هي أن الخائف الحقيقي من هذه الزيارة لم تكن إيران… بل إسرائيل.
القلق الإسرائيلي لا ينبع فقط من الوجود الإيراني وبرنامج طهران النووي، بل أضاف ترامب قلقًا آخر يتمثل في تسليح الأنظمة العربية بأسلحة متطورة مقابل مليارات الدولارات الخليجية للخزانة الامريكية. فإسرائيل، التي تعتقد بتفوقها النوعي في الجو والتكنولوجيا العسكرية والاستخبارات، لا تحتمل فكرة وجود أسلحة متطورة بيد الجيران العرب، حتى لو كانوا حلفاء مؤقتين.
تخشى إسرائيل من تكرار سيناريو سابق: نظام حليف يتحول فجأة إلى خصم شرس، كما حدث في ايران عندما سقط حليفهم الشاة على يد روح الله الخميني رضوان الله تعالى عليه واصبحت ايران عدوا اقليميا لاسرائيل ،وايضا كما حصل في العراق حين امتلك جيشًا قويًا وقاعدة صناعية عسكرية ضخمة. فقد وجهت امريكا واسرائيل تلك القدرات العراقية ضد إيران ما بعد الشاه ، ولكن عندما فشل صدام حسين في حربه ضدها، واحتل الكويت ثم خسرها، انقلب على داعميه، وحوّل هذا التسليح إلى تهديد حقيقي لإسرائيل، من صواريخ “سكود”، وقبلها بمحاولات امتلاك سلاح نووي. ولذلك سعت إسرائيل بكل الوسائل لتدمير مفاعل “تموز” النووي في الثمانينيات، ولن تسمح بتكرار هذه التجربة.
اليوم، أضافت الولايات المتحدة مصدر قلق جديد لإسرائيل، إلى جانب قلقها من إيران واليمن والعراق ما بعد صدام، حين أوقفت واشنطن حربها ضد اليمن وبدأت بتسليح السعودية وقطر والإمارات بأسلحة متطورة، بعضها هجومي. وهذا يثير الذعر في تل أبيب من احتمال أن تقع هذه الترسانات في يد خصومها في المستقبل.
الحليف العربي لا يُطمئن إسرائيل… إلا إذا بقي ضعيفًا. فالنظام العربي الذي يُمسك بزمام الحكم اليوم، حتى لو أعلن ولاءه لإسرائيل، يبقى في نظر المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية كيانًا هشًا، قابلًا للانهيار في أي لحظة. التخوف الأكبر في تل أبيب يتمثل في السؤال: ماذا لو سقط هذا النظام؟ من سيرث الترسانة المتطورة؟ من سيسيطر على نظم الدفاع الجوي أو الصواريخ متوسطة المدى أو الطائرات الحديثة؟
والجواب المُرعب بالنسبة لإسرائيل: قد يكون البديل تنظيمًا عقائديًا، شيعيًا أو سنيًا، معاديًا بطبيعته لإسرائيل، لا يخشى المواجهة، ولا يتردد في استخدام السلاح، بل يعتبر امتلاكه تكليفًا شرعيًا للقتال لا تشريفًا سياسيًا.
أما إيران، تلك الدولة التي تُشيطنها أغلب الأنظمة العربية وتُحمّلها مسؤولية كل اضطراب، فهي غالبًا ما تراقب هذه التحركات بهدوء. إيران تدرك أن زيارة ترامب لا تغيّر شيئًا في قواعد الاشتباك، ولا تهز موازين القوى الإقليمية. فالأمريكي، كما أثبتت التجارب، لا يشن حربًا لأجل حلفائه، بل لأجل مصالحه فقط. كما تعلم إيران أن تحالفات ترامب لا تُبنى على الثقة، بل على المال والنفوذ المؤقت.
إيران لا تؤسس عقيدتها العسكرية على وعود الغرب، بل على دعم حلفائها على الأرض. لا تخشى خطابًا أمريكيًا ولا زيارةً استعراضية، لأنها تدرك أن الخطر الحقيقي على إسرائيل ليس في طهران وحدها، بل في الجنوب اللبناني، وفي العراق، وفي اليمن، وفي كل سلاح عربي قد يتحرر يومًا من قبضة الأنظمة التابعة.
من يُرد الحقيقة فليتابع الإعلام العبري، لا العربي المُروّض. من أراد فهم الحسابات الاستراتيجية، فلينظر إلى أين تذهب أموال إسرائيل الاستخباراتية، وماذا يقول جنرالاتها عن احتمال سقوط حلفائها العرب، ومتى تُعلن حالة التأهب في قواعدها.
إسرائيل، رغم خوفها من إيران، تخشى أكثر أن يصحو الجار العربي يومًا… ويكتشف أن السلاح في يده، وأن العدو الاسرائيلي أمامه لا الايراني.