المقصورة وفزّاعة الإلحاد
بقلم _ حسن عبد الهادي العكيلي
مع اقتراب الانتخابات، لا بد من صناعة “عدو جديد” يضمن بقاء الأحزاب ذات العناوين العاطفية المتآكلة، ويُعيد تدوير نفس الوجوه التي تعيش في امتيازات السلطة، بعد أن صدّقت أكذوبة “الطبقة الأولى” وتوهمت أنها نُخبة متعالية.
اليوم، انتهت صلاحية ورقة المظلومية التاريخية للشيعة، واحترقت بالكامل ورقة البعث وصدام، وسُحقت داعش بفضل دماء المقاومين.
فما الذي تبقّى من أوراق التخويف؟ يبدو أن المرشّح الأوفر حظًا هذه المرة هو: الإلحاد!
فزّاعة جديدة تُحركها بعض الأطراف لتقسيم المجتمع مجددًا إلى “معسكر إيمان” و”معسكر إلحاد”، في محاولة يائسة لإعادة إنتاج خطاب التخويف… لا بأس، من حق الأحزاب أن تدافع عن وجودها، وإن كانت تستند إلى رجل عرجاء!
لكن، من حقنا أيضًا أن نسأل بوضوح:
أين هو مشروعكم الإسلامي الحقيقي في العراق؟
ما هي ملامحه بعد أكثر من 21 سنة من الحكم؟
ما الذي تحقق للوطن أو حتى لجمهوركم الذي صدّق وعودكم؟
في مواجهة داعش، كان حضور تلك الأحزاب محدودًا، رغم سيطرتها شبه التامة على أدوات القوة: المال، الإعلام، النفوذ السياسي، وأجهزة الدولة.
أما التضحيات الحقيقية فحملتها فصائل تشكّلت بعد 2003، خارج حسابات السلطة.
الإلحاد… أم الفشل؟
هل يتحمّل “الإلحاد” مسؤولية ما يلي؟
انهيار خطة التعليم الابتدائي، وانتشار الجهل؟
أزمة الكهرباء المزمنة؟
كارثة المياه، والديون الخارجية، وفشل إدارة الثروات؟
تدمير الزراعة، وانهيار الصناعة، وغزو البضائع الرديئة؟
الأدوية الفاسدة، والمستشفيات المتهالكة، وإغراق البلد بالمخدرات؟
انعدام الخدمات، وانتشار البطالة، وشلل سوق العمل؟
تزايد الطلاق، وتفكك الأسر، واستعباد العمالة الأجنبية؟
تفشي الرشوة، وابتزاز المواطنين في دوائر الدولة؟
مأساة النازحين، وفشل المصالحة في المناطق المحررة؟
نزيف العقول وهجرة الكفاءات؟
الواقع لا يكذب
كل هذه الأزمات تتراكم منذ سنوات، فيما يُراد إيهام المواطن بأن سبب فشل الدولة هو “الإلحاد”، وليس منظومة الحكم نفسها.
فمن يجرؤ على مواجهة الحقيقة؟ ومن يملك الشجاعة ليعترف بالفشل بدل أن يختبئ خلف فزّاعات؟
والكلام ذا شجون… وشؤون.
—
عن الكاتب:
حسن عبد الهادي العكيلي، كاتب وباحث في الشؤون السياسية والاجتماعية، مختص في التخطيط الاستراتيجي وقضايا الهجرة والتنمية، وله مساهمات تحليلية في ملفات إقليمية ودولية مع التركيز على تفاعلات الشرق الأوسط.
للتواصل: [email protected]