للحكومة المصالح وللشعب المبادئ ..

بقلم _ حسن كريم الراضي 

 

تشترك جميع الأنظمة الديمقراطية في العالم بخاصية وجود مسارين يسيران أحيانا طوليا ويتقاطعان في أكثر الأحيان. مسار دبلوماسي تسلكه الدولة وأهم مرتكزاتها الحكومة المنتخبة ومؤوسساتها . وهذا المسار يقوم على المصالح الوطنية وجلب المنافع ودفع الضرر وهو يعتمد في تحديد هذا النفع والضرر على مؤوسسات أمنية وسياسية لا تنشر تقاريرها على الملأ لتفادي الاحراجات الدبلوماسية . وهذا المسار لا يستجيب لمطالب المسار الثاني دوما بل يتقاطع معه في كثير من الأحيان كون المسار الثاني يبني مواقفه على اساس المبادئ وأحيانا العواطف وهو يسمى بالمسار الشعبي الذي يقوم على الرأي العام ومؤوسسات المجتمع المدني الحقيقية والمؤسسات الدينية واحزاب المعارضة . وهذا ما يحدث في العراق أيضا وقد يكون بفعالية أكثر مما هي في ديمقراطيات عريقة بلحاظ أن ديمقراطيتنا حقيقية تصل حد الانفلات والفوضى أحيانا. فمثلا في الولايات المتحدة كان الشعب الأميركي بغالبيته يتعاطف مع غزة وما جرى على أهلها ويخرج بتظاهرات تعبر عن ذلك الرفض وبقوة وتنطلق في ذلك من مبادئ انسانية في حين أن الحكومة الاميركية وفي نفس الوقت تزود إسرائيل بقنابل تدميرية تزن مئات الاطنان هي من جعلت غزة ركاما يدفن جثث اهاليها منذ أكثر من عام . هذا يبدو طبيعيا عند شعوب العالم التي تدرك أن هنالك فرق كبير بين المبادئ والمصالح الا في العراق . ففي بلادنا يرفض البعض ثنائية المسارات ويطالب أن يندمج المسار الشعبي بالحكومي وهو يرى أي حراك شعبي مخالف للمسار الحكومي مجرد تسقيط للحكومة وتصفية حسابات معها وهي يريد من الشعب أن يحمل باقات الزهور ليستقبل بها الجولاني مثلا في مطار بغداد غافلا عن حقيقة أن الشعوب يجب أن تسجل مواقفها البعيدة عن المصالح والمضار للتاريخ فالاجيال ستحاكمها ولا تقتنع بمبررات أن الحكومة سلكت ذلك المسار واستقبلت بحفاوة قاتل ابنائها . والبعض الآخر من الشعب يطالب الحكومة بالاندماج بإرادة الشعب تماما وأن تكون أنعكاسا لما يؤمن به من مبادئ وأن لا تخضع للضغوطات السياسية لمحيطها الإقليمي والدولي ويجب عليها رفض من يرفضه الشعب . وكلا المنهجين يعتبر خاطئا مغاليا في مثاليته. فللحكومة مسارها الذي ترى أنها مقهورة على سلوكه وللشعب مساره الذي ينبغي عليه أن يسلكه والمبني على المبادئ والشرف والعقيدة . ولو آمن الجميع بفصل المسارين فأن في ذلك مصدر قوة للشعب الذي سيعبر عن رأيه بحرية وبمعزل عن رأي الحكومة فيكون ذلك مبررا للحكومة باتخاذ قرارات تعزوها للضغط الشعبي الداخلي متحاشية الاحراج السياسي والدبلوماسي . بالتالي فأن المطالبة بدمج المسارين يمثل حماقة سياسية ولم يسجل تاريخ الديمقراطيات الحية ذلك ولطالما شاهدنا استقبال لحاكم متهم بالابادة وقمع شعبه في لندن وباريس والشعب يهتف بادانته ويطالب بمحاكمته قرب أسوار القصور الرئاسية التي يجتمعون فيها . فلا الحكومة اتهمت الشعب بالتمرد ولا الشعب اتهم الحكومة بالخيانة . وهذا لا يشمل تجاوز الخطوط الحمراء للشعوب والتي تخالف عقيدته وثوابته والمنصوص عليها بالدستور ..ومن لم يفهم هذا الخيط الدقيق الذي يفصل بين المسارين سوف لن يفهم ما أردت قوله . فالحكومة تدعي أنها تعمل وفق مبدأ لابد مما ليس منه بد . والشعب عليه أن يشتمها لأنها لم تعمل وفق ارادته وتعكس ما يؤمن به . .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى