لماذا تعطّل اسرائيل المياه في ريف القنيطرة

كنوز ميديا – متابعة

 في منطقة تعج بالنزاعات الجيوسياسية والموارد المحدودة، لم تعد المعارك تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضاً بالكلمات والعناوين، هكذا جاء أحد الأخبار الصادرة مؤخراً تحت عنوان مثير للجدل “تعدي حماس على موارد المياه في سوريا”، لكنّ المفارقة الكبرى تكمن في أن مضمون الخبر لا يشير إلى حماس على الإطلاق، بل يتحدث عن قيام القوات الإسرائيلية بتعطيل مركز رئيسي لتزويد المياه في ريف القنيطرة جنوب سوريا.

هذا التناقض الصارخ بين العنوان والمحتوى يفتح الباب أمام نقاش معمق حول استخدام الإعلام كأداة لصياغة السرديات السياسية، وكيف يمكن للتضليل أن يعيد توجيه الأنظار بعيداً عن الفاعل الحقيقي، نحو جهة أخرى يُراد شيطنتها.

“إسرائيل” وتعطيل المياه جنوب سوريا

حسب ما أورده المرصد السوري لحقوق الإنسان، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً بتعطيل مركز حيوي لتأمين المياه في ريف محافظة القنيطرة، جنوب سوريا، المركز يزود تسع قرى وبلدات بالمياه، ويُعتبر من أهم البنى التحتية في المنطقة، وخصوصاً في ظل الظروف البيئية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.

ووفقاً للمرصد، فإن سلطات الاحتلال استهدفت هذا المرفق الحيوي في إطار استراتيجية مدروسة للسيطرة على الموارد الطبيعية، ضمن سياسة قديمة جديدة تستهدف محيط الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس جديداً أن المياه كانت دوماً ضمن أولويات “إسرائيل” الاستراتيجية، سواء في الجولان المحتل، أو في الضفة الغربية، أو في محاولات النفوذ باتجاه نهر الليطاني في الجنوب اللبناني.

التناقض المريب: لماذا ذُكرت حماس؟

رغم وضوح مضمون الخبر، فإن عنوانه يوجّه التهمة بشكل مباشر إلى حركة حماس، دون أن ترد أي إشارة إليها في النص الكامل، هذا التضليل لا يمكن اعتباره مجرد خطأ تحريري، بل يبدو وكأنه جزء من محاولة ممنهجة لتوجيه الأنظار نحو خصم سياسي معين، وتحميله مسؤولية لا صلة له بها.

السؤال المطروح هنا هو: من يقف وراء هذا النوع من العناوين؟ وما الهدف من استخدام اسم “حماس” في سياق يتعلق بـ”إسرائيل”؟ الإجابة تكمن على الأرجح في الصراع الإقليمي على تشكيل الرأي العام، وخاصة في ظل انقسام بعض الأنظمة السياسية ووسائل الإعلام في المنطقة تجاه قوى المقاومة.

الإعلام كسلاح في الصراع

لم يعد الإعلام مجرد ناقل للخبر، بل أصبح سلاحاً يُستخدم لتشكيل الإدراك، وتحديد من هو “العدو” ومن هو “الصديق”، وفقاً لأجندات سياسية مسبقة، في هذه الحالة، يُستغل عنوان مضلل لتوجيه الرأي العام العربي أو المحلي ضد حماس، في محاولة لربطها بتهديد مباشر للمواطن السوري، بينما تُخلى الساحة تماماً من المسؤول الفعلي “إسرائيل”.

ويكشف هذا النهج عن ظاهرة متنامية في الإعلام الإقليمي، حيث يُستخدم اسم حماس أو أي فصيل مقاوم كورقة لتبرير سياسات محلية أو تحالفات دولية، بل إن هذا النوع من العناوين قد يُوظف كتبرير ضمني لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، من خلال إظهار “العدو الحقيقي” على أنه فصيل فلسطيني لا دولة محتلة.

الصراع على المياه: أداة نفوذ إسرائيلية

ليست هذه الحادثة معزولة عن السياق الأوسع للصراع على المياه في المنطقة، منذ تأسيسها، أولت “إسرائيل” اهتماماً بالغاً بالسيطرة على الموارد المائية، باعتبارها عنصراً حيوياً في الأمن القومي، ووفق تقارير دولية، فإن “إسرائيل” تهيمن على أكثر من 80% من مياه الضفة الغربية، وتمنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة أو تطوير شبكاتهم.

أما في الجولان المحتل، فقد سيطرت سلطات الاحتلال على مصادر المياه الجبلية، واستخدمت بعضها لتغذية مستوطناتها، بينما حُرم السكان الأصليون من الوصول إليها بحرية، كما أظهرت وثائق استخباراتية اهتماماً إسرائيلياً قديماً بنهر الليطاني اللبناني، كمصدر استراتيجي محتمل.

وفي هذا الإطار، فإن استهداف مركز المياه في القنيطرة يندرج ضمن استراتيجية التحكم بالموارد، لا بهدف عسكري مباشر، بل كوسيلة لإضعاف البنية التحتية المحلية، وخلق مزيد من التبعية أو الضغط السياسي على الأطراف المجاورة.

تداعيات سياسية وإعلامية

هذا النمط من التغطية الإعلامية يحمل تداعيات خطيرة، تتجاوز مجرد التضليل، فمن جهة، يعمّق الخلافات بين الفصائل الفلسطينية والنظام السوري، ويؤجج حالة الشك والعداء، ومن جهة أخرى، يسهم في ترسيخ روايات خاطئة لدى الجمهور، تُفضي في النهاية إلى إضعاف الوعي العام بحقيقة ما يجري على الأرض.

كما أن تجاهل دور “إسرائيل” في مثل هذه الحوادث سواء بصمت بعض وسائل الإعلام أو من خلال التحوير يسهم في تبييض صورتها على المستوى الإقليمي، وخلق نوع من التوازن الزائف في الخطاب الإعلامي، يظهر فيه المعتدي كطرف “غير مذكور”، بينما تُبرز خصومه كخطر متزايد.

نحو وعي إعلامي ناقد

إن ما حدث في هذه الحالة يدعونا إلى إعادة التفكير في كيفية تعاملنا مع الإعلام، وخصوصاً في ظل التحولات الإقليمية الكبرى، لم يعد بإمكان القارئ العربي أن يكتفي بقراءة العناوين، بل عليه أن يتحلى بنظرة نقدية، ويميز بين الرواية المصنّعة والحقيقة.

فحين تُستخدم المياه، وهي من أبسط حقوق الإنسان، كسلاح في يد المحتل، ويُتهم آخرون بذلك زوراً، نكون أمام مشهد يتطلب منا كثيراً من الوعي، والقدرة على التفكيك والتحليل، لا الانجرار خلف الدعاية المضللة. .ع666

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى