” ام الباريه” والرومانسية القومية
بقلم _د.أمل الأسدي
يُضرب في موروثنا الشعبي المثل القائل”مثل ام الباريه” وقصة هذا المثل هي: توجد امرأة لها ثلاثة أولاد، تزوجوا كلهم، وما ان تزوجوا بدأت المشكلات بالظهور، فجاء الابن الأول وشكا لأمه قائلا: إن زوجتي لاتجيد الطبخ!
فردت أمه: دعها لي
وبالفعل علمتها الطبخ ولم تتركها حتی أجادته!
بعدها قالت لابنها: إنها تعلمت الطبخ وأجادته وانتهت المشكلة.
أما الثاني فشكا لأمه أن زوجته غير نظيفة وغير منظمة، فقالت الأم: دعها لي.
وبدأت الأم تعلمها التنظيف والنظام حتی تغيرت ونظفت كل شيء في البيت ونظمته.
فقالت الأم لابنها: إنها تعلمت النظافة والمشكلة انتهت.
أما الابن الثالث فقال لأمه: أريد أن تعلمي زوجتي، فهي لاتستقر في بيتها، وكلما أعود من العمل أجدها خارج المنزل، عند الجيران أو عند أهلها أو أو…
فقالت الأم: دعها لي
فجلست الأم تدرِّب كنتها علی الاستقرار وعدم الخروج من المنزل من دون سبب، ومن دون إذن زوجها، فقالت لها:
اجلسي واغسلي الملابس كلها، واخلعي “دشداشتك” واغسليها أيضا.
وبينما الكنة جالسة لغسل الملابس، سمعت صوت”ابو الطبل” فهمّت بالخروج، لكنها انتبهت إلی ملابسها!
ثم رأت ” بواري” مصفوفة، فسحبت” باريه” ولفت بها نفسها وخرجت لتری قصة “ابو الطبل” وفي أي بيت هو!
فأرسلت الأم الی ابنها وقالت له:
” شوف ابني: الچبيرة تعلمت الطبخ واخذت النصيحة!
والثانية هم تعلمت النظافة واخذت النصيحة!
بس ام الباريه ..كل چاره ما تصير لها!! ما يفيد بيها! ”
إن هذا المثل العميق الذي لايدل علی تحول العادات إلی طباعٍ فقط، ولايرتبط بالواقع الاجتماعي وحسب!
وإنما يرتبط بالواقع السياسي العربي أيضا، فقد ورثت المجتمعات العربية أنماطا من السلوك الأعرابي الجاهلي، مازالت هذه الأنماط حاضرة ومهيمنة، ولعل أبرزها احترام القوة والمال، فالشعوب العربية تحترم القوي، إذا كان شخصا أو دولة!
ومن الأنماط الأخری الموروثة؛ إقصاء الآخر وعدم قبوله!
فقد أثرت البداوة فيهم، وأثّر فيهم التنقل من مكان إلی آخر، وترسخ لديهم حب السيطرة وتملك المكان الذي يتوافر فيه الماء والكلأ، وظل هذا السلوك كامنا وظاهرا في أغلب المجتمعات العربية التي لم تعش في طفولتها أو بداياتها الاستقرار والزراعة وانتظار أوقات الحصاد وسائر أفعال التحضر!
ثم اقترن هذا السلوك وذاك بالسلطة وحبها، وحب المال، وتعمّق الفكر الإقصائي للآخر، واستقوی الفقه السلطوي، وساد التبرير، حتی وصلنا إلی ما وصلنا إليه، وصلنا الی تمكّن القوی الاستعمارية التي لاتمتلك أي رصيد حضاري أو معرفي من السيطرة علی الأمة التي أراد الله لها أن تكون خير الأمم!
وبناءً علی ذلك، وبالمحصلة؛ لن يغير اجتماع القمة العربية
من واقع الدول العربية، ولن تتغير نظرتهم إلی العراق الذي يمتلك عمقين حضاريين، عمق الحضارات القديمة، وعمق الحضارة الإسلامية التي وضع أسسها في العراق الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، إنما الأمر الوحيد الذي يشغلهم هو: كيف يتجرد العراق من مصادر قوته؟
كيف تتغير الحسبة وتعود كما كانت: أغلبية محرومة لاتؤمن بالسلطة مطلقا؟
كيف نقمع الأغلبية التي تمتلك عمقين حضاريين؟
لهذا، فإن الرومانسية القومية لاتجدي نفعا!
ولايحبها العراقيون لما خلّفته في واقعهم وتأريخهم!
فإن هذه الأمة تسير علی منهج” ام الباريه”!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ