معاناة بحجم الرسالة: حين يُهيئ الله شعبًا للقيادة.
بقلم _بشير ربيع علي الصانع
حين يختار الله عبادًا لمهمة عظيمة، لا يُلقي بهم في ميدان التكليف جزافًا، بل يصنعهم صنعًا، ويؤهلهم بكل عناية وتدرج، ويُربّيهم على عينه، حتى يشتد عودهم، وتصلب إرادتهم، ويتسع وعيهم، فيصبحوا قادرين على حمل الرسالة، مهما كانت التحديات.
ومن دلائل هذه الرعاية الإلهية أن يُمرّهم على مراحل من المعاناة، ليتهيأوا، ويتدرّبوا، ويتكيّفوا، حتى تصبح الظروف الصعبة جزءًا من بنائهم النفسي والروحي. وهذا ما نشاهده جليًا في اليمن، منذ اللحظة التي انطلقت فيها شرارة العدوان الأولى على صعدة، إلى كل محطة من محطات الصراع بين الحق والباطل.
لم تكن الحرب عبثًا، ولم تكن المعاناة عشوائية، بل كانت كل مرحلة بمثابة درس إلهي في مدرسة الابتلاء والتربية، إعدادًا لشعب أراد الله له أن يكون غير عادي، أن يكون استثنائيًا في الصبر، مختلفًا في الوعي، متقدّمًا في الإيمان.
انقطاع المشتقات النفطية؟ تأقلم معها اليمني وكأنها لم تكن، فابتكر، وصبر، وسار على قدميه إن تعذّر الوقود.
انقطاع الكهرباء؟ أوقد في قلبه نور البصيرة، وتعايش مع العتمة وهو يحمل في داخله مشاعل الوعي.
سماع أزيز الطائرات؟ تدريب على الثبات تحت القصف.
أصوات الانفجارات؟ جرس إنذارٍ لا يُربك، بل يُنذر ويُؤهل.
غياب الراحة؟ ترويض للنفس على الجهاد في كل لحظة.
التضحيات المتكررة؟ غرس لقيم البذل والفداء في الأعماق.
هكذا، مرحلةً تلو أخرى، غدا الشعب اليمني متعايشًا مع أصعب الظروف، لا لأن هذه الحياة المثقلة بالمعاناة هي قدره النهائي، بل لأنها سلم الوصول نحو تكليف أعظم، نحو دور تاريخي أراده الله له في خريطة المواجهة مع أعدائه.
وما كان لهذا التكيّف الفذ أن يتحقق لولا أن الله هو من تولى هذا الشعب بالرعاية، وأدخله في برنامج إلهي صارم، ليخرج منه أصلب عودًا، وأنقى بصيرة، وأعمق وعيًا، وأشدّ استعدادًا لحمل راية المشروع الإلهي.
وحين انتقل اليمن إلى مرحلة نصرة قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها فلسطين، وواجه العدوان العالمي بقيادة أمريكا وإسرائيل، كان قد بلغ تلك الدرجة من التأهيل، فخاض المواجهة بثبات، وتحمّل الكلفة العالية بروح راضية، وأبهر الأصدقاء والخصوم بصموده العجيب.
إن لبّ الحكاية كلّها: أن ما بدا محنة، كان منحة. وما ظنه البعض عذابًا، كان عين التربية. وما خيّل إلى الآخر أنه حصار، كان تأهيلاً إلهيًا لتولي أعظم مسؤولية عرفها هذا العصر.
فما يجري في اليمن ليس مجرد صراع سياسي، ولا أزمة معيشية، بل هو مشهد تربوي ربّاني، تصنع فيه الرعاية الإلهية أمةً من نور، وتحضرها لحمل مشعل الهداية، وتكليف النصر، وقيادة مشروع الحق في عالمٍ طغت عليه المادية والظلم.
هكذا يصنع الله جنوده. وهكذا يهيئ عباده المختارين. وهكذا تصير المعاناة مَعلَمة على العناية، ويتحوّل الحصار إلى حضانة إلهية لإخراج شعبٍ لا ينكسر.