في ذكرى النكبة: عربات جدعون تعود
بقلم _غيداء شمسان غوبر
في زمنٍ تتكالب فيه قوى الظلم، وتُحاك فيه المؤامرات لطمس الحقائق وتزييف التاريخ، تأتي ذكرى النكبة الأليمة، لا لتكون مجرد محطةٍ لاستذكار الماضي، بل لتكون شاهداً حياً على واقعٍ مُستمرٍ، وجرحٍ نازفٍ لا يندمل وفي غمرة هذه الذكرى التي تُعيد إلى الأذهان فصولاً من القسوة والتهجير، يُقدم العدو الإسرائيلي على خطوةٍ لا تُفاجئ من يعرف حقيقته، لكنها تُدمي القلوب وتُعرّي النوايا: يطلق عملية تصعيدٍ خطيرةٍ على قطاع غزة الصامد، ويُسمّيها “عربات جدعون”.
ليس الاسم مجرد اختيارٍ عابر، ولا هو مجرد رمزٍ عسكريٍّ جديد إنه صدىً مُرعبٌ من الماضي، وبعثٌ لظلٍ أسودٍ من تاريخٍ مُلطّخٍ بالدماء. إنه الوسم ذاته الذي أطلقته العصابات الصهيونية على عملية احتلالها لمدينة بيسان الفلسطينية في أيام النكبة قبل سبعةٍ وسبعين عاماً. تلك العملية التي لم تكن مجرد احتلالٍ عسكري، بل كانت فصلاً من فصول التطهير العرقيّ الوحشيّ، تهجيرٌ قسريٌّ لأهلها، ومحوٌ لوجودهم، في محاولةٍ لطمس الهوية وتغيير وجه الأرض.
ولكنّ السؤال الأهم الذي يطرح نفسه، والذي يحمل في طياته دلالاتٍ عميقةً ومُزلزلة: ما سبب إعادة إطلاق هذا الأسم بالذات؟ ولماذا في هذه العملية بالتحديد، وفي هذا التوقيت بالذات، بالتزامن مع ذكرى النكبة؟ إنها ليست مصادفةً عابرة، ولا هي مجرد اختيارٍ عشوائيّ إنها رسالةٌ مُتعمّدة، إعلانٌ صريحٌ عن النوايا، وكشفٌ للوجه الحقيقيّ الذي يحاول العدو أحياناً إخفاءه خلف شعاراتٍ زائفةٍ عن الأمن والسلام.
إن إعادة إحياء اسم “عربات جدعون” في عمليةٍ تستهدف غزة اليوم، هي اعترافٌ صريحٌ بأن المشروع الصهيونيّ لم يتغير، وأن أهدافه لم تتبدل إنها رسالةٌ تقول بوضوحٍ: إن ما حدث في عام 1948 ليس مجرد تاريخٍ مضى، بل هو مشروعٌ مُستمرٌ، وأن ما يُمارس اليوم في غزة من قتلٍ وتدميرٍ وتهجيرٍ وحصارٍ هو استكمالٌ لذلك المشروع القديم إنها محاولةٌ لإعادة إنتاج النكبة، لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لإعادة تفعيل آلة التطهير العرقيّ التي بدأت عملها قبل سبعةٍ وسبعين عاماً.
الدلالات التي تحملها هذه العملية وهذا الاسم مُرعبةٌ لمن لا يعرف حقيقة هذا الكيان، ومُؤكدةٌ لمن خبر طبيعته الإجرامية إنها تعني أن العدو لا يرى في الفلسطينيين شعباً له حقوق، بل يراهم “أغياراً” يجب استباحتهم وإزالتهم إنها تعني أن السلام الذي يتحدثون عنه ليس سلاماً حقيقياً، بل هو استسلامٌ يُراد به تثبيت نتائج النكبة وتصفية القضية إنها تعني أن العقلية التي تُدير هذا الكيان هي ذات العقلية التي ارتكبت المجازر في دير ياسين وبيسان وغيرها، عقليةٌ لا تعرف الرحمة ولا تُقيم وزناً لحياة الإنسان.
ولكنّ هذه الخطوة، رغم وحشيتها ودلالاتها الخطيرة، تحمل في طياتها أيضاً كشفاً للحقيقة يُفيد الأمة إنها تُسقط الأقنعة عن وجه العدو، وتُظهر للعالم، لمن يريد أن يرى، أن هذا الكيان ليس دولةً طبيعية، بل هو مشروعٌ استيطانيٌّ إحلاليٌّ قائمٌ على الإجرام والتطهير العرقيّ إنها تُذكّر الأجيال الجديدة بأن النكبة ليست مجرد ذكرى، بل هي واقعٌ مُعاشٌ، وأن الصراع ليس صراعاً على حدود، بل هو صراعٌ وجوديٌّ على الحقّ والأرض والهوية.
في ذكرى النكبة، تعود “عربات جدعون” لتُدمي غزة، لكنها تعود أيضاً لتُوقظ الضمائر، وتُعرّي النوايا، وتُؤكد أن المقاومة والصمود هما السبيل الوحيد لمواجهة كيانٍ لا يزال يحمل في جيناته إجرام عام 1948 إنها معركةٌ بين من يريد أن يمحو التاريخ ومن يتمسك به، بين من يريد أن يُعيد النكبة ومن يُصرّ على حقّ العودة وفي هذه المعركة، سيبقى صوت الحقّ أعلى، وستبقى إرادة الصمود أقوى، وسيبقى دم الشهداء شاهداً على أن “عربات جدعون” لن تُحقق غايتها، وأن فلسطين ستبقى حيةً في القلوب، حتى يتحقق وعد الله بالنصر والتحرير.
#الحملةالدوليةلفك حصار مطارصنعاء
#اتحاد كاتبات اليمن