#سلسلة_هكذا_فهمتهم. (١).
علي شريعتي: إشكالية المثقف بين الدين والثورة
بقلم _ الشيخ مجيد العقابي
يُعتبر الدكتور علي شريعتي (1933-1977) أحد أبرز المفكرين المسلمين الإيرانيين في القرن العشرين، إذ تركت كتاباته ومحاضراته أثرًا كبيرًا على الثورة الإسلامية في إيران، وأثارت الكثير من النقاش والجدل حول دور الدين في الحياة الاجتماعية والسياسية. تميزت أعماله بالجمع بين الفكر الإسلامي والعلوم الاجتماعية المعاصرة، وبالدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وإعادة قراءة الإسلام من منظور اجتماعي وثوري.
من أهم أطروحاته التي شغلت المفكرين هي مسألة “العودة إلى الذات”، وهي دعوة لإعادة اكتشاف الهوية الإسلامية بعيدًا عن هيمنة الثقافة الغربية والتقليد الديني الجامد. يقول شريعتي في كتابه الشهير “العودة إلى الذات”:
“علينا أن نعود إلى ذاتنا الحضارية لا لننعزل عن العالم، بل لنتفاعل معه بوعيٍ حضاري وثقةٍ ثقافية” (شريعتي، العودة إلى الذات، ص 45).
هنا يُبرز شريعتي رؤيته التي تتمثل في نقدين متزامنين: نقد التقليد الديني المتحجر، ونقد الاستلاب الثقافي أمام الغرب. ومن خلال هذا الطرح، سعى شريعتي لتقديم الإسلام بوصفه قوة حضارية وثقافية قادرة على المساهمة في الحوار العالمي، وليس مجرد عقيدة منغلقة على ذاتها.
كذلك أثارت فكرة “التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي” جدلاً واسعًا، حيث يُفرّق شريعتي بين تشيّع أصيل متمثل في منهج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) القائم على العدالة الاجتماعية والثورة ضد الظلم، وبين التشيّع الذي أسماه بالصفوي، والذي يعتبره نتاجًا لسياسة الدول، يهدف إلى تحجيم الدين وتوظيفه سياسيًا لصالح السلطة. يقول شريعتي:
“التشيع الصفوي هو الذي حوّل الدين إلى طقوس ومراسم خالية من جوهره الثوري والإنساني، بينما التشيع العلوي هو ثورة مستمرة ضد كل أشكال الظلم والقهر الاجتماعي” (شريعتي، التشيع العلوي والتشيع الصفوي، ص 120).
تعتبر هذه الفكرة من أكثر المفاهيم إثارة للجدل؛ إذ إن شريعتي لم يكتفِ بالنقد النظري، بل حرص على تقديم أمثلة تاريخية ملموسة، معتبرًا أن تشيّع الدولة الصفوية عمل على إضعاف الروح الثورية لدى المسلمين وجعلهم ينشغلون بالطقوس الشكلية على حساب جوهر الدين وقيمه الأصيلة.
في إطار تحليله الاجتماعي والسياسي، دعا شريعتي إلى ضرورة تفعيل دور المثقف الملتزم، الذي لا ينأى بنفسه عن قضايا المجتمع، بل يصبح قوة دافعة نحو التغيير. يقول في كتابه “مسؤولية المثقف”:
“المثقف ليس فقط من يمتلك المعرفة، بل من يتحمل المسؤولية التاريخية في توعية الجماهير وتعبئتها نحو أهداف اجتماعية عادلة” (شريعتي، مسؤولية المثقف، ص 56).
مع ذلك، تعرضت أفكار شريعتي لانتقادات حادة من قبل بعض المفكرين، منهم المفكر الإسلامي مرتضى مطهري، الذي اعتبر أن شريعتي يميل إلى التبسيط الزائد للقضايا المعقدة والتاريخية، مما قد يؤدي إلى تسطيح المفاهيم الدينية والتاريخية. يقول مطهري:
“تبسيط شريعتي لتاريخ الإسلام وتفسيره السياسي للأحداث الدينية قد يؤدي إلى فهم خاطئ للدين وتشويهه” (مطهري، نقد فكر شريعتي، ص 78).
كذلك رأى بعض النقاد أن لغة شريعتي التي تميل إلى الشعرية والبلاغة، رغم جاذبيتها، قد تفقد النصوص صرامتها العلمية وتؤدي إلى انفعالات عاطفية أكثر من المناقشة العقلية المتوازنة.
غير أن ما لا يمكن إنكاره هو قدرة شريعتي على تحريك الجماهير وإيقاظ الوعي الإسلامي الثوري، خاصة في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما كان الإيرانيون يواجهون تحديات كبيرة من قبل نظام الشاه وتزايد الهيمنة الغربية على المنطقة.
في المحصلة، يبقى علي شريعتي شخصية فكرية بارزة تركت أثرًا عميقًا في الوعي الإسلامي الحديث، وما تزال أفكاره موضوعًا للجدل والنقاش المستمر بين مؤيديه وناقديه على حد سواء، مما يعكس حيوية وأهمية طروحاته الفكرية والاجتماعية في سياق العالم الإسلامي المعاصر.
الشيخ مجيد العقابي
مركز الفكر للحوار والإصلاح.
2025/5/23