كثرة الشعراء… وقلّة الشعر
سلسلة: كثرة بلا أثر (١١).
بقلم _ الشيخ مجيد العقابي
ما أكثر الشعراء الذين يقفون على المنصات اليوم، وما أقل الشعر الذي يوقظ قلبًا، أو يبني فكرة، أو يُترجم وجدانًا.
صرخات عالية، أصوات مدوّية، وجمل تُطلق كما تُطلَق الشتائم، لا كما تُبنى القصائد،
كأنك في ساحة جدال، لا في مقام حُزن،
في عركة صوتية، لا في مجلس يُصغى فيه للشجن والصدق.
يقف الشاعر أحيانًا أمامك لا لتقول له: أحسنت، بل لتسأله: ماذا تريد أصلًا؟
هل جاء ليبكي الحسين؟ أم ليثبت سيطرته على الميكروفون؟
هل ينقل نصًّا من تراثنا الشعائري العميق؟ أم يُخترع لنا صورة من خياله، ليملأ بها دقائق المهرجان؟
إنك لا تجد عند بعضهم سوى صراعٍ صوتي، وخيالٍ فارغ، وعباراتٍ تُصفّق لها الجموع لا لأن فيها شعورًا، بل لأنها تضرب على العصب، لا على المعنى.
ثم تأتي الكارثة الأشد وقعًا:
شعراء الردة والقصيدة الحسينية، الذين يحملون على أكتافهم عنوان الدين،
لكنهم لا يقدّمونه، بل يشوّهونه.
يصوغون مفاهيم العقيدة، وسير الأئمة، وتاريخ الطفوف، بطريقتهم هم،
لا من المصادر، ولا من فقه المأساة، ولا من جوهر الشعائر،
بل من أوهام مشحونة بالمبالغة، وجمل قد تقترب أحيانًا من الكفر أو الضعف العقائدي أو التجاوز على الفطرة.
هؤلاء يجعلون من الحسين (عليه السلام) بطلاً أسطوريًا بلا ألم، أو يُنزِلون المعصوم من مقامه، فيتحدثون عنه كأنه يصرخ أو يشكو أو يضعف،
أو يبالغون في تصوير أصحاب كربلاء وكأنهم خارقون للطبيعة، لا بشرٌ خُلّدوا بوعيهم وإيمانهم،
ويفترضون لأنفسهم سلطة “الخطاب الشعائري”،
فمن خالف مبالغاتهم، أو نقد غلوّهم، وُصف بأنه خارج عن الدين، أو مستخف بالشعائر،
وما هكذا يُخاطَب العقل، ولا هكذا تُبنى العاطفة.
وقد بلغ بنا الحال أن أحدهم قال – حرفيًا –:
“سيأتي محرّم، وسنبدأ الصراع مع المثقفين الذين يرفضون القصائد!”
وكأن هناك معركة حقيقية، أو أن الدين بات يُختصر في الموقف من القصيدة، لا في الموقف من الإمام نفسه.
والأدهى أن بعض هؤلاء يُقدَّمون اليوم كمرجعيات للوجدان الشيعي،
وصار الشباب ينجذبون إلى إيقاع الردّات أكثر مما ينشدّون لفتوى مرجع، أو لمحاضرة علم،
فإذا اختلّت الموازين هكذا،
فمن المسؤوول؟
ومن يضبط انحراف الوجدان قبل انحراف الفكر؟
وليس هذا فحسب،
ففي كل مهرجان، ومناسبة، وموكب،
تجد أسماءً جديدة تُرفَع تحت عنوان الشعر،
لكن ما يُلقى لا علاقة له بالشعر، ولا باللطم، ولا حتى بالإحساس.
مجرد كلمات تُقال بسرعة، على وقع الصوت والصدى،
وألقاب تُمنح بلا استحقاق،
وشهادات تكريم لا تمنح على المعنى، بل على الحضور.
إن الشعر الحقيقي لا يُصنع من الصراخ،
ولا من تخيّل المعصوم على غير صفته،
ولا من تخييل كربلاء في صورة لا تليق بها،
بل من العودة إلى جذوة الحسين، إلى دمه، إلى صبره، إلى خَطّه، إلى روحه،
ومن قراءة النصوص لا تفجير الانفعالات.
ثمّة شعراء صادقون، نعرفهم، نحفظ لهم وجدانهم، ونقدّر دمعتهم،
لكن صوتهم خافت أمام ضجيج الواجهة،
ولذلك نقول:
كثرة الشعراء لا تعني كثرة الشعر،
وكثرة القصائد لا تعني عمق الحزن،
ولا كل من قال “يا حسين” على المنبر، كان مع الحسين في القصيدة.
وليكن في بال هؤلاء أن المقدس الامام الحسين عليه السلام وليس من لحق به من صناعات ذوقية ومن أعطى لنفسه القداسة لانه خادم فليحترم صاحب المصاب اولا ثم لينسب لنفسه القداسة والتي باتت سلطة متسلطة لا رتبة أخروية.
نحن نحترم خدمة اهل البيت الذين كتبوا ما تبقى الملحمة الحسينية خالدة إلى يومنا هذا من قبيل يحسين بضمائرنا او گلبي يالميمون او يا محلى الوداع بهالمسية او انه البتول الطاهرة الظلموني التي يبدأها الحاج ابو بشير بالبكاء وينتهي بها.
اما الابتسامة والمظهر الواضح من الزينة والصراخ والحركات البهلوانية تضعف من الشعور بالحزن في شهر المصائب فرحم الله من جلب الدمعة على سيد الشهداء.
الشيخ مجيد العقابي
مركز الفكر للحوار والإصلاح
24-05-2025