مغادرة السلطة خطوة مفصلية في مسار السياسة التركية خلفياته، وتأثيراته المحتملة
بقلم _ فتحي الذاري
يعتبر إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نيته مغادرة السلطة خطوة مفصلية في مسار السياسة التركية، تثير العديد من التساؤلات حول جدية هذا الإعلان، خلفياته، وتأثيراته المحتملة على المشهد السياسي الداخلي والخارجي. وفي سياق هذا الإعلان، يتجلى أن هناك أبعادًا متعددة تستوجب تحليلًا عميقًا يركز على دوافع أردوغان، مخاوف المعسكر المؤيد والمعارض، والطموحات التي قد تتجاوز مجرد التنازل عن الحكم.
بادئ ذي بدء، لا يمكن تجاهل أن تصريحات أردوغان تأتي وسط تحولات داخلية وخارجية تشهدها تركيا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى ضغوط أوروبية ودولية. الاعلان عن الرغبة في الخروج من السلطة يُعد نوعًا من التسويق السياسي لإعادة ترتيب الأوراق أو إظهار صورة التغيير الهادئ، إلا أن توقيته وكلماته المتحفظة تؤكد أيضًا احتمالات أن يكون هذا الإعلان مجرد خطوة تكتيكية أكثر منه قرارًا جوهريًا.
موقف أردوغان من نظام الحكم، خاصة فيما يتعلق بمراجعة الدستور وإصلاح صلاحيات الرئاسة، يثبت رغبة في تكييف النظام السياسي مع تطلعاته الشخصية، أو حتى إعادة ترتيب المشهد بما يخدم مصالحه أو مناطق نفوذه الحالية والمستقبلية. وهنا، يظل السؤال مشروعًا هل يصدق أحد أن أردوغان ينوي حقاً مغادرة المسرح السياسي، أم أن ذلك مجرد استراحة أو استراحة محارب، تنتظر لحظة معينة وإعادة ترتيب للموقف تسمح له بالبقاء في المشهد بشكل غير مباشر؟
إصرار أردوغان على إقرار دستور جديد يحمل في طياته دلالات واضحة على طموحاته إلى تعديل النظرة لنظام الحكم، وربما محاولة إعادة تقنين صلاحيات الرئيس، خاصة بعد أن شهدت تركيا خلال حكمه بروز نوع من الانتقال من نظام برلماني إلى رئاسي، مع تركيز السلطات بيده بشكل غير مسبوق. الدستور الجديد قد يتضمن تعديل مواد أساسية، من بينها المواد التي تنظم صلاحيات الرئيس، وتحدد حدود السلطات، وهو ما يثير نقاشات جدلية حول مدى استدامة الديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا.
وخلال تلك العمليات التصحيحية، قد يظهر أردوغان عبر تعديل المواد التي تمنحه مزيدًا من الصلاحيات، أو يهدف إلى إقرار نظام يجعل من منصب الرئيس أكثر قوة واستقرارًا، بصرف النظر عن التغيرات الشكلية. مما يطرح تساؤلاً حول مدى تغيّر الطموحات السياسية التي يحملها، وهل يطمح إلى تمديد فترة بقائه على الساحة أكثر، أو حتى تهيئة ظروف لوراثة السلطة بطريقة غير معلنة.
أما عن المواد الأربعة المقدسة، فهي غالباً تشير إلى المواد التي تعتبر خطوطًا حمراء في دستور تركيا، ومن بينها المواد التي تتعلق بـوضع الحجاب في المدارس والجامعات وصلاحيات القوات المسلحة و”نظام الحكم والهوية الوطنية والثوابت الوطنية. الطموح إلى تعديل أو إلغاء هذه المواد يظل محورًا رئيسيًا للجدل، إذ يُنظر إليه كمحاولة لطمس الحدود التي وضعتها النخبة التركية، سواء كانوا من المحافظين أو العلمانيين، بهدف إعادة تشكيل الهوية الوطنية وتصحيح مسار السياسات الاجتماعية والثقافية.
وهنا، يُحتمل أن يكون أردوغان يسعى لدفع الأمور نحو مزيد من الانفتاح على التيارات الإسلامية، وتخفيف القيود على وضع الحجاب، أو تعديل الصلاحيات العسكرية، وهو ما يتطلب مواجهات سياسية واجتماعية قد تكون صعبة، خاصة إذا كانت المواد التي يريد تعديلها تعتبر رموزًا للتركيبة الوطنية ومرجعيات أسسية في الدولة.
حتى الآن، لا تزال قضايا الحجاب ودور السلطات ونظام الحكم تثير حساسيات ولامبالاة منسوبة بين مختلف فئات المجتمع التركي، إذ يصطدم المحافظون مع العلمانيين، فيما تتعقد الأمور أكثر حول صلاحيات الرئاسة وإمكانية اقتحامها لمواد دستورية تعتبر خطوطًا حمراء، الأمر الذي يفتح باب جدل واسع حول مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
و يبقى سؤال هل يصدق أحد أن أردوغان يعتزم حقًا مغادرة سدة الحكم، أم أن إعلان نيته هو مجرد استراتيجية تكتيكية، تستخدم لتمويه نواياه الحقيقية أو لتهيئة الرأي العام لخطوة مقبلة؟