هل يختبئ خلف إعلان رحيله.. أردوغان يخطط لتغيير قواعد اللعبة في تركيا وتقسيم المواد المقدسة؟

بقلم _ فتحي الذاري

يتوقف الكثيرون عند إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نيته مغادرة السلطة، خاصة في ظل رغباته المعلنة بإقرار دستور جديد، وإعادة تشكيل نظام الحكم، مما يثير أسئلة مصيرية حول مدى جديته، وأهدافه الخفية، والطموحات التي قد تصل لحدود التعدي على المواد الأربعة المقدسة في الدستور التركي، التي تتعلق بقضايا الهوية، والدين، والتوازنات العسكرية، والسلطات.
يؤكد هذا الإعلان حجم التوترات الداخلية والخارجية التي يواجهها أردوغان، خاصة مع بروز معارضة قوية، وازدياد التحديات الاقتصادية، والتغيرات في المشهد السياسي العالمي. فهل هو تصريح تكتيكي غاياته التخفيف من التكدس حوله، أو محاولة لتجديد شرعيته، أم أن هناك نية حقيقية وراء الخطوة؟ الحقيقة أن دايناميكية السياسة التركية تشي أن مثل هذه التصريحات يمكن أن تكون ذريعة لتمويه نوايا أعمق، خاصة مع إصراره على إقرار دستور جديد والذي قد يتضمن تعديلات جذرية في صلاحيات الرئاسة.
يمثل سعي أردوغان لإعادة كتابة الدستور، وتعديله بشكل يوفر لنظامه السياسي أذرعًا أكثر قوة، تصعيدًا في مسيرته نحو السيطرة المطلقة، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول استدامة الديمقراطية. فالدستور الجديد، الذي يطمح إلى تغييره، من المحتمل أن يتضمن مواد تمنح صلاحيات أوسع للرئيس، وتحد من موازنة السلطات، وربما يغير من الأدوار المخصصة للقضاء، ويهدم جدران الحد من نفوذ السلطة التنفيذية، وهو أمر يطمح أردوغان من خلاله إلى تأمين بقائه، أو حتى إرساء نظام حكم دائم لا يعتمد على شخصيته فقط.
المواد الأربعة المقدسة، وهي المواد التي تعتبر خطوطًا حمراء في بنية النظام التركي، تتعلق بمواضيع الهوية، والدين، والعلمانية، وضرورة الحفاظ على توازنات القوات المسلحة. محاولة التعديل أو المس بهذه المواد يمكن أن تُوصف بمحاولة لقطع العلاقات مع التقاليد العلمانية، وتغيير هوية الدولة بشكل أعمق. فهل يتجه أردوغان لتغيير المادّة المتعلقة بدور الحجاب، وتحديدًا في المؤسسات التعليمية، والذي يثير حساسية محافظة، أم يسعى للتقليل من صلاحيات المؤسسة العسكرية، أو تعديل المادة التي تضمن العلمانية ويمنع تدخل الدين بالحياة العامة؟ إن الطموح لانتزاع هذه المواد، أو تعديلها، يمثل نقطة حاسمة، وتحديًا كبيرًا لاستقرار النظام، وخطوة نحو إعادة تعريف الهوية الوطنية بتوجهات إسلامية أكثر وضوحًا.
قضية الحجاب، وإشكاليات صلاحيات الرئيس، ونظام الحكم، كلها تنطوي على حساسية عالية. فالمحافظون يدعون إلى إلغاء القيود على الحجاب في المؤسسات العامة، في حين يصرّ العلمانيون على ضرورة الحفاظ على قواعد التقليد العلماني للفترة الكمالية. أما بالنسبة لنظام الحكم، فهناك جدل حول مدى صلاحيات الرئيس، خاصة إذا تم تعديل الدستور لزيادة سلطاته، مما يعيد تركيا إلى نظام شبه استبدادي يُهدد التوازنات الديمقراطية.
الواقع أن احتمالية تصديق هذا الإعلان تبدو ضعيفة، إذا علمنا أن خلفياته ومصالحه الشخصية، وطموحاته السياسية، تقتضي إبقاء اليد العليا على السلطة، وأن التغييرات الدستورية المنتظرة تأتي في سياق تعزيز تلك السيطرة. فتصريحاته غالبًا ما تكون بمثابة إيعازات سياسية، أو خطوات لطمأنة المجتمع الدولي، أو حتى استباقية لممارسة الضغط داخليًا، قبل العودة إلى ممارسة نفوذه بشكل غير معلن.
أردوغان نيته مغادرة السلطة يظل حتى الآن مجرد علامة استفهام كبيرة، في ظل التطورات السياسية، والطموحات التي قد تتجاوز مجرد التنحي، وتشمل إعادة صياغة النظام وفق مصالحه، وربما تعديل المواد التي تتصل بجوهر تركيا الحديثة. فهل يصدق أحد أن يتم ذلك على أرض الواقع؟ الأرجح أن الأمر أكثر تعقيدًا، وأن الاستقرار الحقيقي قد يُبقيه في قلب المشهد، بغض النظر عن الألقاب المعلنة، لتحقيق مصالحه السياسية والعسكرية والثقافية،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى