العراق على مفترق طرق هل ينجح الإصلاح قبل فوات الأوان .؟
بقلم : طه حسن الأركوازي – الخبير بالشأن السياسي والأمني ..
في خضم التحديات المتراكمة التي تثقل كاهل الوطن يتردد في أروقة بغداد ، وأزقة البصرة ، وحتى في أبعد نقطة في الأنبار ، وصولاً لحدود أقليم كردستان سؤال جوهري : هو هل المسار الذي ينتهجه العراق اليوم مسدود الآفاق ، أم أنه طريق وعر يحتاج إلى خارطة طريق جديدة .؟
هذا التساؤل ليس مجرد حديث عابر ، بل هو تعبير عن قلق عميق ويأس متصاعد ينخر في جسد كُل مواطن عراقي ، هل ما نزال في مرحلة الإصلاح الممكن من الداخل ، عبر إرادة شعبية حقيقية وتغيير في منظومة الحكم ، أم أن قطار الدولة قد تجاوز محطة الإصلاح ويتطلب إعادة بناء شامل .؟
هذا النقاش ليس وليد اللحظة ، لكنه يكتسب اليوم زخماً مُضاعفاً في ظل التحديات والأزمات المتلاحقة التي تعصف ببلادنا .
أولاً : الطبقة السياسية أمام أختبار الإصلاح .؟
إن الواقع المرير الذي يواجهه العراق اليوم يتمثل في وجود طبقة سياسية ، مع الأسف ، تبدو في كثير من الأحيان منفصلة تماماً عن نبض الشارع العراقي ، وكأنها حبيسة أبراج عاجية أو أسيرة مصالح ضيقة .؟
المفارقة الموجعة تكمن في أن أغلب هؤلاء الساسة قاوموا ذات يوم نظاماً قمعياً دكتاتورياً وتغنوا بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والتطور خلال سنوات المنفى ، لقد أطلعوا على أسس الدولة المدنية ، وأهمية القانون ، والثقافة ، والتعليم ، والشفافية ، والرفاه ، والعلاقات الدولية المتوازنة ، لكن وبمجرد الوصول إلى السلطة تبدو تلك المبادئ وكأنها تبخرت ، ليجد المواطن العراقي نفسه وحيداً في مواجهة وحش الفساد المستشري والمحاصصة المُقيتة ، وشبح الخدمات المتردية ، وغياب العدالة الاجتماعية .
إن العائق الأكبر أمام أي مسار إصلاحي حقيقي ليس مجرد صراعات على السلطة والنفوذ ، بل في عجز أستيعاب تطلعات كُل أطياف الشعب العراقي ورؤيتهم المشتركة لمستقبل أفضل ، فبدون رؤية وأستراتيجية ومشروع وطني جامع يظل كيان الدولة هشاً وقابلاً للانزلاق نحو المجهول في أي لحظة .؟
ثانياً : الدولة هي الحضن الدافئ لأبنائه .؟
الدولة هي الحضن الآمن الذي يضم جميع أبنائها ولا ينبغي أن تسقط مهما أشتدت الخطوب ، إن تحدي القانون ، وأنتشار الفوضى ، وتغليب المصالح الحزبية والفئوية الضيقة على مصلحة الوطن العليا ، هي مؤشرات خطيرة تنذر بخطر حقيقي على بقاء الدولة ، وإذا كان التذرع بالمطالبة بالحقوق هو مبرر تجاوز القانون ، فإن أنهيار الدولة سيفقدنا جميعاً تلك الحقوق ، ولن يتبقى لنا حينها ما يمكن المطالبة به .؟
إن ما يثير القلق اليوم هو التدهور المستمر للأوضاع وتوالي الأزمات ، مما ينذر بعواقب وخيمة على أستقرار البلاد الهش أصلاً .
إن العراق يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه الحديث ، حيث تتصادم الإرادة الشعبية التواقة للإصلاح مع صلابة منظومة الفساد ولن يتحقق أي تقدم حقيقي دون إجتثاث الفساد بكل تجلياته : المالي ، والإداري ، والسياسي .؟
فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة كلاهما ينهش في جسد الدولة والمجتمع ، ويقوض أي أمل في بناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة .
ثالثاً : نحو مستقبل مشرق آفاق الإصلاح .؟
على الطبقة السياسية أن تستشعر حجم المسؤولية التاريخية المُلقاة على عاتقها وأن تعمل بجدية على توفير المناخ الملائم لإجراء أنتخابات نزيهة وشفافة ، هذه الانتخابات يجب أن تكون نقطة أنطلاق حقيقي لإصلاح نظام الحكم ومؤسسات الدولة ، وتطهيرها من براثن الفساد .؟
إن تجاوز الواقع المزري الذي يعيشه العراق يتطلب عقداً سياسياً جديداً ، يقوم على أساس الحكم الرشيد الذي يضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كُل أعتبار ولا يسمح بتكرار إخفاقات الماضي وجمود المشهد السياسي .
إن عملية تصحيح المسارات مرتبطة أيضاً أرتباطاً وثيقاً بتعزيز سلطة القانون ، وهيبة الدولة ، فبدون دولة قوية ذات سيادة ، وقانون نافذ على الجميع دون أستثناء أو مجاملة تظل جهود الإصلاح مجرد أحلام بعيدة المنال ، ويبقى العراق أسيراً لدائرة مفرغة من الأزمات .
أخيراً وليس أخراً .. مما لا شك فيه أن العراق يقف عند مُفترق طرق :
إما أن تتحد الجهود الوطنية الصادقة من جميع الأطراف لدفع عجلة الإصلاح الحقيقي الذي يبدأ بمحاربة الفساد ، وتكريس سيادة القانون ، وإجراء أنتخابات تعكس إرادة وتطلعات الشعب .
وإما أن يستمر الوضع في التدهور مما ينذر بأنهيار ما تبقى من أسس الدولة والمجتمع .؟
إن مستقبل العراق ليس رهينة بيد أحد ، بل يعتمد على قدرة الشعب العراقي بأسره على إحداث التغيير المنشود وبناء دولة قوية وعادلة تليق بتضحياته وتطلعاته …!