تأملات في حرب الإبراهيمية كما تفككها الدكتورة أمل الأسدي

الورقة الثانية:تفكيك حرب الإبراهيمية

بقلم _ المفكر العراقي الدكتور علي المؤمن

 

يعدّ كتاب الدكتورة أمل الأسدي من الدراسات القليلة باللغة العربية التي وضعت المشروع الإبراهيمي في إطاره السياسي ــ الاستراتيجي الممنهج. وأرى أنها استطاعت أن تحقق أربعة أهداف مترابطة ومتكاملة:
1-كشف البعد التآمري لمشروع الديانة الإبراهيمية:
تعرضت الدكتورة أمل الأسدي لـ تحليل البنية السردية لمشروع الإبراهيمية، وبيّنت كيف تمّت هندسة هذه الفكرة دينياً، ثم تسويقها سياسيًا عبر ربطها بخطاب السلام والتعايش. الكتاب يكشف كيف أن الديانة الإبراهيمية ليست مجرد تصور ديني جديد، بل هي إعادة تشكيل لهوية شعوب المنطقة لخدمة الأمن الصهيوني.
2- كشف الهدف الخفي في ضرب نهضة الشيعة والمقاومة:
بيّنت الباحثة أن استهداف محور الرفض والعقيدة المتمثل في النهضة الشيعية والمقاومة والحوزات العلمية والوعي الشيعي ليس أمراً عارضاً، بل ضرورة استراتيجية لدى صُنّاع مشروع (السلام الإبراهيمي). وترى الدكتورة الأسدي أن ما يُقدم كـ (ديانة جامعة) إنما هو مخطط لضرب التجربة الشيعية الصاعدة التي استطاعت الجمع بين العقيدة والسياسة والمقاومة.
3- كشف علاقة مشروع الإبراهيمية بأنظمة التطبيع:
تناولت الباحثة (الهندسة الجديدة للخطاب الرسمي العربي)، وتوقفت عند تحوله من خطاب ديني أو قومي أو وطني رافض للكيان الصهيوني، إلى خطاب تصالحي (تسامحي) تطبيعي موجّه أمريكياً، تتبناه أنظمة البحرين والإمارات المتحدة والمغرب والأردن ومصر علناً، ونظام السعودية سرا.ً ويُعد هذا التحول أحد الأذرع التنفيذية لمشروع الديانة الإبراهيمية.
4- البعد التآمري المزدوج بين الديانة الإبراهيمية واتفاقيات إبراهام
أثبتت الكاتبة أن التطبيع السياسي بدون تمهيد ثقافي وديني لن يُنتج تطبيعًا دائمًا، ومن هنا جاء دمج السياسة بالعقيدة الزائفة من خلال وهم (الديانة الإبراهيمية).
في الختام، يمكن القول إن كتاب الدكتورة أمل الأسدي ليس مجرد نقد أكاديمي لخطاب (الديانة الإبراهيمية)، بل هو تفكيك لأحد أخطر مشاريع السيطرة الثقافية والسياسية على المنطقة، والمداخل التي طرحتها تمثل تطبيقاً حياً وتحليلاً استراتيجياً لنتائج ذلك المشروع على الهوية الدينية الإسلامية الشيعية، ومقاومة الهيمنة الصهيونية، ودور الأنظمة المطبعة، والخطر الثقافي المتخفي بثوب الدين المشترك.
ولا يقتصر الكتاب على كونه مرجعاً فكرياً سياسياً في موضوعه، بل هو دعوة صادقة ومهمة لكل من يهتم بمصير الأمة وحق الشعوب في السيادة والكرامة. من هنا يأتي دوره كدرس جوهري في الكشف عن الأهداف الحقيقية لمشروع الإبراهيمية وديانته الوضعية المزيفة ومساره الاستكباري واتفاقياته الاستسلامية، وهو دعوة مفتوحة للمقاومة الفكرية والسياسية ضد كل محاولات التآمر على الهوية والحقوق.
وبالتالي؛ فإن من يريد أن يفهم كيف تتحول الرموز الدينية إلى أدوات استراتيجية في الحروب الحديثة، ولكل من يعتقد أن الحرب اليوم لم تعد فقط بالرصاص، بل بالكلمات، والخرائط، والمفاهيم، و(الصلوات المعدلة)؛ حري به أن يقرأ الكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى