“حين يتراجع الانقسام: قراءة في تكتيك صادقون ما بعد الطائفة”

بقلم_ حسن عبد الهادي العگيلي

في خطوة بدت مفاجئة للبعض، لكنها تحمل دلالات استراتيجية عميقة، شهدنا خلال الفترة الأخيرة دخول بعض عشائر تكريت، ممن لم يشارك أبناؤها في مجزرة سبايكر، في تفاهمات أو تنسيقات مع كتلة “صادقون”، الجناح السياسي لحركة عصائب أهل الحق. هذا الحدث، بقدر ما يحمل رمزية محلية تتصل بتحوّلات المزاج العشائري في المناطق الغربية، إلا أنه في جوهره يعكس تطورًا لافتًا في آليات التفكير السياسي لدى “صادقون”، واتجاهاً مدروساً نحو تفكيك البنية الطائفية التي طالما سيطرت على الفضاء السياسي العراقي.

التحرك الأخير لا يمكن فصله عن القراءة المعمقة التي تُجريها “صادقون” للمتغيرات الإقليمية، لا سيما في الساحة السورية، حيث بات واضحًا أن معادلات القوى هناك لم تعد تُبنى فقط على المحور الإيراني أو الروسي، بل على قدرة الفواعل المحلية – من العشائر والمكونات الاجتماعية – على التكيّف والانخراط ضمن معادلات النفوذ الأمني والسياسي. وقد التقطت “صادقون” هذه الحقيقة بذكاء، فأعادت إنتاج دور العشيرة ليس بوصفه امتدادًا عضويًا لطائفة، بل كجسم اجتماعي يمكن أن يُعاد توجيهه ضمن مشروع وطني يتجاوز ثنائية (السني/الشيعي).

التحرك نحو تكريت، بهذا المعنى، ليس مجرّد انفتاح على مكوّن معين، بل هو محاولة لصنع حاجز استراتيجي – سياسي وثقافي – أمام ما يُسمى “الامتداد العضوي” بين بعض العشائر الغربية ومشاريع سياسية متطرفة أو انعزالية كانت تهيمن على خطاب ما بعد 2014. وبهذا، فإن “صادقون” لا تُقارب العشيرة من زاوية الولاء فقط، بل تُعيد بناء مفهوم العلاقة معها، على قاعدة المصالح المشتركة، والهوية الوطنية الجامعة، والحضور الفاعل في المعادلة الأمنية والسياسية.

يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار مبكر لقدرة بعض القوى الشيعية، وفي طليعتها “صادقون”، على تجاوز التفكير الطائفي، والانفتاح على فضاءات لم تكن تُلامسها سابقًا، بفعل الحساسيات التاريخية أو المواقف المسبقة. كما أن هذا التوجه يُعطي انطباعًا بأن الكتلة بدأت تعي أهمية الانتقال من الخطاب المقاوم إلى مشروع الدولة، بكل ما يتطلبه ذلك من مرونة سياسية، وقراءة دقيقة للخرائط الاجتماعية المتحركة.

في لحظة إقليمية تتراجع فيها الهويات المغلقة، وتتصاعد الحاجة إلى تحالفات عابرة للطوائف، تبدو مبادرة “صادقون” بمثابة رسالة مزدوجة: إلى الداخل الشيعي الذي ما زال يتردد في إعادة هندسة علاقاته مع الآخر، وإلى المحيط السني الذي بدأ يتلمّس جدوى فك الارتباط مع مشاريع الماضي، والانخراط في تفاهمات تقلل من حدة منطق القطيعة، وتؤسس لمسار وطني بديل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى