سذج مواقع التواصل… حضوركم عار وغيابكم رحمة
بقلم _ بشير ربيع الصانع
يا هؤلاء، يا من تزحمون فضاء مواقع التواصل بتفاهاتكم وسخفكم، ويا من تملؤون الصفحات بالكلام الفارغ، والضحك الأجوف، والتعليقات السمجة، أما لكم قلب ينبض؟ أما في صدوركم ذرة إحساس، أو بقية من مروءة؟!
ترون الدماء تسيل، والبيوت تُهدم، والأقصى يُدنّس، وغزة تُحاصر، وأطفال فلسطين ينامون بلا طعام ولا دواء، ولا تتحرك لكم شعرة، ولا يرف لكم جفن! وكأن المأساة لا تعنيكم، وكأن القهر لا يصلكم، وكأن الظلم لا يخدش كرامتكم، وكأنكم خُلقتم لتعيشوا في عالم ضيق مملوء باللهو والضحك، لا تعرفون فيه إلا النكات السخيفة، والمقاطع التافهة، والكلام الفارغ!
يا هؤلاء، أما آن أن تدركوا أن الضحك على توافه الأمور في زمن المذابح ليس إلا خيانة للدماء التي سالت؟ أما آن أن تفهموا أن السخرية في زمن النكبات ليست إلا سقوطًا في مستنقع الانحطاط؟ أما تعلمون أن التغافل عن قضايا الأمة عار، وأن من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؟!
يا من جعلتم همكم الضحك والسخرية، تلهثون وراء الفيديوهات التافهة، وتتناقلون الأخبار التافهة، وتتضاحكون على سفاسف الأمور، بينما صوت المآذن في الأقصى يُقهر، وصرخات الأسرى لا تجد صدى، وصوت الطفل الفلسطيني المخنوق تحت الركام لا يبلغ مسامعكم، بأي وجه ستقابلون الله يوم القيامة؟! بأي يد ستكتبون في صحائف أعمالكم يوم تعرضون على ربكم، وقد صمتم عن نصرة الحق، وانشغلتم باللهو والباطل؟!
يا هؤلاء، أين ضميركم؟ أين غيرتكم؟ أين نخوتكم؟ أماتت فيكم الشهامة؟ أم قتلها الانشغال بتوافه الأمور؟! أما تشعرون بالخجل وأنتم تمررون ضحكاتكم الرخيصة فوق آلام شعب يُباد؟! أما تخجلون من أنفسكم وأنتم تنقرون على الشاشات، تضحكون من مقطع هزيل، أو تتهامسون حول شائعة تافهة، أو تتبارون في مناظرات فارغة، بينما هناك دماء تكتب التاريخ؟!
والله إن وجودكم على مواقع التواصل أشبه بوجود الحشرات التي لا همّ لها إلا اللهو والأكل، وجودٌ عقيم، حضورٌ مشين، لا نصرة لحق، ولا وقفة مع مظلوم، ولا كلمة تُشعر بالرجولة والفخر، بل هو تواجد يعكس خواء النفوس، وسطحية العقول، وسفاهة القلوب، وتبلد الإحساس، وكأنكم عالة على الأمة لا قيمة لكم إلا في أرقام المتابعين، ولا أثر لكم إلا في ضجيج لا يسمن ولا يغني من جوع.
أما آن لكم أن تنهضوا؟ أما آن أن تفيقوا من سباتكم؟ أما آن أن تُدركوا أن ما يجري اليوم امتحان للرجال، وأن التاريخ لا يرحم، وأن الموقف الآن إما عزٌّ أو ذل، إما شرف أو خزي؟!
يا هؤلاء، إن لم توقظكم دماء الشهداء، ولا صرخات الثكالى، ولا بكاء الأمهات، ولا استغاثة الأطفال، فبماذا تهتدون؟! أفيقوا قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، وقبل أن يُقال: مضوا في حياتهم تافهين، منشغلين بسفاسف الأمور، فلم يتركوا خلفهم إلا الذكر السيء، وورقة خاسرة في دفتر الزمان.