إلى متى تبقى بغداد رهينة مكياج المناسبات .؟

بقلم _ طه حسن الأركوازي – الخبير بالشأن السياسي والأمني

في مشهد يتكرر مع كُل أستعداد لأستضافة مؤتمر أو قمة عربية أو دولية ، تتحول العاصمة الحبيبة بغداد إلى خلية نحل تجميلية ، حملات تنظيف الأرصفة ، طلاء الجدران ، زراعة الزهور الموسمية ، وتأهيل الطرقات بشكل أستعجالي ترقيعي ، كلها إجراءات تهدف إلى تقديم صورة مثالية للمدينة أمام أعين الزوار ، هذا النمط السلوكي الذي بات يعرفه العراقيون جيداً يكشف عن أهتمام مؤقت وسريع ينتهي بأنتهاء المناسبة ، لتعود المدينة إلى واقعها المليء بالإهمال وتراكم النفايات وتدهور البنية التحتية .
هذا التجميل الانتقائي ليس مجرد إشكالية في التنظيم ، بل يعكس خللاً أعمق في فلسفة إدارة الدولة ، فالعاصمة تُدار بمنطق “المناسبات” وليس بمنطق “الخدمة المستدامة” ، إذ يبدو وكأن المواطن العراقي لا يستحق مدينة نظيفة وبنية تحتية متينة إلا إذا كانت بغداد محط أنظار العالم ، هذا التجاهل لأحتياجات المواطنين الروتينية وإرجائها للمناسبات الرسمية ، يعكس عقلية مركزية لا ترى في الشعب شريكاً حقيقياً في الحياة المدنية والأكثر إثارة للقلق هو أن هذه التحركات التجميلية غالباً ما تتم بتخصيصات مالية طارئة وعقود سريعة تفتقر إلى الشفافية والرقابة ، مما يفتح الباب واسعاً أمام ملفات الفساد حيث يكون الهدف هو تحسين الصورة الإعلامية لا جودة حياة المواطنين .
شهدنا أمثلة عديدة على هذا النهج ، فقبيل قمة بغداد للتعاون والشراكة عام 2021، تحولت المناطق المحيطة بالمطار والمنطقة الخضراء إلى واجهات مُنمقة لكن سرعان ما عادت الأمور إلى سابق عهدها ، وبالمثل خلال زيارة البابا فرنسيس في نفس العام ، تركزت الجهود على مسارات محددة ، مما أثار تساؤلات المواطنين حول ما إذا كانت حقوقهم تحتاج إلى “وسيط دولي” مثلاً ليُلتفت إليها .؟
إن أخطر ما في هذا النهج أنه لا يُنتج مُدناً حقيقية ذات روح نابضة بالحياة ، بل يخلق مشاهد مؤقتة تتلاشى بأنتهاء الحدث ، فالمواطن العراقي لا يحتاج إلى زهور تذبل بعد أيام ، بل إلى خدمات مستدامة وبنية تحتية قوية ومدينته تُحترم فيها كرامته في كُل يوم ، وليس فقط في أيام المؤتمرات .

يبقى القول إن العراق بتاريخه العريق وحضارته الغنية يكاد يكون البلد الوحيد الذي يتفق أبناؤه على أن ماضيه أجمل من حاضره وربما مستقبله أيضاً . هذه العبارة المؤلمة تعكس بصدق أختلال العلاقة بين الدولة والمجتمع ، بين الصورة الزائفة والحقيقة المرة وبين الزينة العابرة والمعاناة المستمرة …!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى