تحوّل في المواقف أم إعادة إنتاج لها؟ قراءة في الإدانات الدولية لجرائم الاحتلال في غزة

كنوز ميديا _ متابعة 

بدأت بعض الدول الغربية، بما فيها دول تُعد تاريخيًا من أبرز داعمي الكيان الصهيوني، بالخروج عن صمتها لتعلن إدانتها اللفظية لجرائم الاحتلال في قطاع غزة، لا سيما استخدام التجويع كسلاح للقتل الجماعي والتهجير القسري.

ففي بيان مشترك، أصدرت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا تصريحًا اعتبرت فيه أن “المعاناة الإنسانية في غزة بلغت حدًا لا يُحتمل”، مؤكدين أن حرمان الأهالي من المساعدات الإنسانية يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.

ومع ذلك، لم يخلُ البيان من المواقف التقليدية الداعمة للرواية الصهيونية، إذ دعا في الوقت ذاته حركة حماس إلى الإفراج الفوري عن “جميع الرهائن الإسرائيليين”، وعارض أي توسع في بناء المستوطنات بالضفة الغربية، وهدد باتخاذ إجراءات عقابية، منها فرض عقوبات موجهة على إسرائيل، إلى جانب تأكيده على دعم جهود التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء سيطرة حماس على غزة، والدفع نحو حل الدولتين.

وفي تطور لافت، استضافت إسبانيا في 25 مايو 2025 قمة دولية في مدريد، شاركت فيها أكثر من 20 دولة، من بينها ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، البرازيل، ودول عربية وإسلامية، بهدف تعزيز الضغط الدولي على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية في غزة، ورفع الحصار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية.

ودعت القمة إلى الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ضمن إطار حل الدولتين.

واقترحت الحكومة الإسبانية تعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وفرض حظر دولي على تصدير الأسلحة إليها، بالإضافة إلى توسيع العقوبات الفردية لتشمل مسؤولين إسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

من جهته، أدلى المستشار الألماني فريدريش ميرتس بتصريح لافت، أشار فيه إلى أن “الهجمات الإسرائيلية لم تعد مبررة كحرب ضد إرهاب حماس”، في تحوّل ملحوظ في الموقف الألماني التقليدي الداعم لإسرائيل دون شروط.

 

كما وصفت كل من بلجيكا والسويد، عبر وزيري خارجيتهما، ما يحدث في غزة بأنه “إبادة جماعية”، في حين أعلنت النرويج وإيرلندا وإسبانيا رسميًا اعترافها بدولة فلسطين، في خطوة سياسية تهدف إلى تعزيز الحل السياسي والضغط على إسرائيل لإنهاء العدوان.

أما الاتحاد الأوروبي، فقد أعرب عن “أسفه” لاستئناف الأعمال العسكرية، داعيًا إسرائيل إلى ضبط النفس واستعادة الوصول الإنساني غير المقيد إلى غزة.

وانضمت دول مثل السويد، فنلندا، إستونيا، ومالطا إلى هذه الدعوات، معبرة عن قلقها العميق من تصاعد العنف، ومؤكدة على ضرورة وقف إطلاق النار فورًا، وضمان وصول المساعدات، وإطلاق سراح الأسرى.

 

رغم هذه المواقف المتقدمة نسبيًا، لم يتأثر الكيان الصهيوني بها، بل واجهها بهجوم لفظي عنيف.

فقد وصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الانتقادات الدولية، بما فيها مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية والدعوات إلى حظر تصدير الأسلحة، بأنها “هجوم أوسع على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، محذرًا من أن تلك الإجراءات قد تؤدي إلى “هولوكوست ثانية”، على حد تعبيره.

هذه التطورات تشير إلى تحول ملحوظ في الخطاب السياسي الغربي تجاه إسرائيل، لا سيما على المستوى الأوروبي، مع تصاعد الدعوات إلى وقف إطلاق النار وفرض عقوبات والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

لكن في المقابل، تواصل حكومة نتنياهو تجاهل هذه الضغوط، متمسكة بسياستها العدوانية ومستمرة في تبرير جرائمها تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”.

ورغم شدة لهجة البيانات والتصريحات، إلا أن الجوهر السياسي لتلك المواقف لا يزال متطابقًا إلى حد كبير مع الرؤية الصهيونية في الملفات الجوهرية؛ فهي ما زالت تعتبر الكيان المحتل دولة شرعية، وتصف المقاومة الفلسطينية بأنها “إرهاب”، وتُبرر لإسرائيل حقها في “الدفاع عن النفس”.

بالنتيجة لا يمكن التعويل على هذه المواقف الغربية طالما أنها لا تترجم إلى خطوات عملية تُجبر إسرائيل على وقف عدوانها والخضوع للقانون الدولي. فهي، في أغلبها، مجرد إدانات لفظية تبقى ضمن السياق الدبلوماسي الشكلي، ولا تخرج عن الإطار التقليدي الذي طالما غطّى جرائم الاحتلال بعبارات مزدوجة ومواقف متناقضة.

مركز بدر للدراسات الاستراتيجية

 

٢٠٢٥/٥/٢٩

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى