سيادة الذات
بقلم _ ريما فارس
النجاح ليس أن تتفوّق على من حولك في سباق ممل داخل دائرة ضيقة، بل أن تحطّم تلك الدائرة تمامًا وتصنع أفقك الخاص. أن تخرج من زحام المقارنة لتبني أرضًا لا تُشبه سواك، أرضًا لا تقبل القيود ولا تقرّ التكرار.
من يقيس نفسه بالآخرين، يظلّ سجينًا لنقطة انطلاق لم يخترها، ويركض في حلبة صمّمها غيره. أما الحرّ، فهو من يبتكر مضمارًا جديدًا، ويرسم خطواته بيده، ويضع خط النهاية حيث يشاء.
قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):
“قيمة كل امرئ ما يُحسنه.”
ولم يقل: ما يغلب به غيره. فالقيمة تُبنى على الإتقان، لا على المقارنة، وعلى العمل الأصيل، لا على الصراع.
وجلال الدين الرومي خاطب من ظنّ أن النجاح يُمنَح:
“لا تجلس وتنتظر. اخرج وابحث عن نفسك في الأعماق.”
فمن ينتظر أن يُفتح له الباب، لن يملك يومًا مفاتيح المجد.
والذين يسيرون في الظلال، لا يصنعون نورًا. ومن لا يملك شجاعة العزلة، لن يتذوّق يومًا طعم السيادة.
الحرية تبدأ حين ترفض أن تكون نسخة مكررة، وحين تدرك أن الركض خلف الآخرين لا يمنحك التقدّم، بل يُنهكك في سباقٍ لا يُشبهك.
في هذا العالم، النجاح لا يعني أن تزاحم، بل أن تتفرّد. لا أن تنازع الآخرين عن مكانهم، بل أن تصنع لنفسك مكانًا لا يبلغه أحد سواك. النجاح لا يكون بالصراخ في الحشود، بل بالسطوع في فضاء لا يجرؤ عليه أحد.
تأمّل في تجربة توماس إديسون. لم يدخل سباقًا مع أحد، ولم يقف في طابور العباقرة ينتظر اعترافًا. كان وحده، يُفشل التجربة تلو الأخرى، بينما يسخر منه الجميع. لكنه لم يكن يحاول أن يهزم أحدًا… كان ببساطة يصنع ضوءًا للعالم.
وهنا يتجلّى المعنى الأصيل للنجاح:
ألا تهزم غيرك، بل أن تأتي بشيء لم يأتِ به أحد.
كن سيّد نفسك، لا تابعًا لأحد.
كن طودًا ثابتًا، لا ظلًا يتبع الضوء.