الصدر يحرِّم التوظيف الانتخابي ويُنهي الجدل :قُضيَ الأمر الذي فيه تُستفتيان: التيار يقاطع انتخابات 2025
بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي
منذ أحداث عاشوراء عام 2022، حين أعلن السيد مقتدى الصدر بشكل واضح وحاسم: “لا سياسة بعد اليوم”، كان من الجليّ لكل متابعٍ دقيق أن قرار الانسحاب من الحياة السياسية لم يكن مجرد انفعالٍ عابر أو خطوة تكتيكية قابلة للتراجع، بل كان موقفًا استراتيجيًا محسوبًا. ومنذ ذلك الحين، لم يترك السيد الصدر مجالًا للشك في جدية موقفه، رغم ما أُثير من تكهنات واجتهادات من قبل محللين سياسيين، وحتى بعض المحسوبين على التيار الصدري نفسه.
لقد كنتُ، ومنذ البداية، على يقينٍ تام بأن التيار الصدري، وعلى رأسه السيد مقتدى الصدر، لن يشارك في الانتخابات القادمة، لا بشكل مباشر ولا عبر واجهات رمزية. ورغم ذلك، واجهت هذه القناعة تشكيكًا واسعًا من متابعين ومحللين وحتى بعض أعضاء التيار، بل إن البعض لجأ للسخرية باستخدام “إيموجي أضحكني” على تحليلاتي. لكن، كما هي سنة الأحداث، فقد كشفت الأيام ما كان مخفيًا، وأكّد السيد الصدر مؤخرًا قراره الحاسم: “لا مشاركة نهائية في الانتخابات المقبلة.”
أما فيما يخص حملة تحديث بيانات الناخبين التي أطلقها السيد مقتدى الصدر، فقد فُسّرت من قبل البعض على أنها مؤشر ضمني على نية المشاركة، غير أن هذا التفسير يفتقر إلى الدقة. إذ أن تحديث البيانات جاء لغرضٍ تقني وواقعي، مرتبط بنزاهة نسب الإحصاء لا بالتصويت لمعرفة عدد المقاطعين الفعلي من المحدثين حصرا وليس العدد الكلي المشمول بالتصويت، خصوصًا مع إلغاء انتخابات الخارج ووجود أعداد كبيرة من المواطنين غير المحدثين، بينهم مهاجرون، متوفون، أو مطلوبون للقضاء.
وبعد أن بات التيار الصدري خارج السباق بشكل رسمي، من المتوقع أن تشتد المنافسة بين القوى السياسية التقليدية، الشيعية والسنية، إلى جانب التحالفات المدنية واليسارية، والتحالف الحكومي. وفي ظل هذا التنافس، تبقى المخاوف قائمة من إمكانية لجوء بعض العناصر، المحسوبة على التيار الصدري، إلى ترهيب الناخبين غير الصدرية في المناطق ذات الغالبية الشيعية، ومنعهم من التصويت بالقوة أو بالضغط النفسي والاجتماعي لتحقيق اكبر نسبة مقاطعة بدون علم زعيم التيار الصدري.
وهنا، لا بد من التذكير بما صرّح به السيد مقتدى الصدر نفسه مؤخرًا، في بيان جاء واضحًا وصريحًا في بنوده:
(يُمنع بل يُحرَّم استعمال اسمنا “آل الصدر”، وخصوصًا الشهيدين الصدرين قدس الله سرهما، كما يُمنع استعمال اسمي مطلقًا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالتلميح أو التصريح، من أي جهة كانت.)
ومن هذا المنطلق، كما حرّم السيد الصدر استخدام اسمه واسم آل الصدر كواجهة انتخابية، فكذلك أن استخدام اسمه كوسيلة لمنع الشيعة غير الصدريين من المشاركة في الانتخابات هو محرم ومرفوض، ويُعدّ انحرافًا عن النهج الاصلاحي السلمي الذي أعلن عنه الصدر مرارًا.
نأمل أن يكون هذا الموقف حجر الأساس لمقاطعة سلمية حقيقية، خالية من العنف والضغط، تحترم إرادة الناس، وتمنحهم حرية اتخاذ القرار بالمشاركة أو المقاطعة، دون ترهيب أو تسلّط. فالديمقراطية لا تتحقق إلا ببيئة آمنة يسودها القانون، وتعلو فيها الكلمة الحرة لا صوت السلاح.