لبيكَ ربي… وغزة الذبيحة
بقلم _ غيداء شمسان غوبر
تتوشحُ الأيام بقدسيةِ ذي الحجةِ، وتنسابُ نفحاتُ الإيمانِ لتُلامسَ القلوبَ، مُعلنةً بدءَ موسمٍ عظيمٍ منَ القربِ والتضرعِ وفي هذا الفضاءِ الروحانيِّ، يرتفعُ صوتٌ منْ أعماقِ الوجدانِ، لا يُقيدهُ مكانٌ ولا يحدُّهُ زمانٌ، صوتٌ يصدحُ بِـ”لبيكَ” الخالدةِ، لِتُصبحَ هذهِ الكلمةُ ليستْ مجردَ شعارٍ لِلحجاجِ، بلْ هيَ نبضُ كلِّ روحٍ تُدركُ معنىٰ العودةِ واليقينِ.
لبيكَ ربي وإنْ قستِ القلوبُ، لبيكَ وإنْ فاضتِ الذنوبُ، لبيكَ إنَّا عائدونَ، تائبونَ، نادمونَ لبيكَ إنَّا متعبونَ، اجبرنا كأننا لمْ نرَ حزنًا إنها ليستْ شكوىٰ ضعفٍ، بلْ هيَ اعترافٌ بِالبشريةِ، وتوقٌ لِجبرِ الخاطرِ منْ لدنِ الخالقِ هيَ دعوةٌ لِلتطهرِ منْ أدرانِ الدنيا، لِإعادةِ بوصلةِ الروحِ نحو السماءِ، لِإدراكِ أنَّ القوةَ الحقيقيةَ تكمنُ في الانكسارِ بينَ يديْ اللهِ، وأنَّ العودةَ إليهِ هيَ الملاذُ الأخيرُ والأولُ.
لكنْ، أيُّ لبيكَ هذهِ التي تُقالُ، بينما تُسفكُ دماءُ أبناءِ غزةَ بِكلِّ عبثيةٍ وإجرامٍ لا متناهي؟ أيُّ لبيكَ هذهِ التي تُرددُ في أيامٍ حرمٍ وأشهرٍ حرمٍ، ولا أحدَ ينظرُ إلى أشلاءِ الأطفالِ المتناثرةِ، وجثثِ النساءِ المتفحمةِ، وأحلامِ الشبابِ المتحطمةِ؟ يا لِلمفارقةِ المُرَّةِ! نُحيي سنةَ إبراهيمَ الخليلِ بِذبحِ الأنعامِ، بينما تُذبحُ فلذاتُ أكبادِنا في غزةَ بِدمٍ باردٍ، على مرأىٰ ومسمعٍ منْ عالمٍ أصمَّ أبكمَ، ومنْ أمةٍ غارقةٍ في سباتِها العميقِ.
إنَّ الصمتَ اليومَ ليسَ حيادًا، إنهُ تواطؤٌ إنهُ خذلانٌ لِإخوانٍ يُذبحونَ، ووصمةُ عارٍ على جبينِ كلِّ منْ يملكُ القدرةَ على الفعلِ ويُفضلُ السكونَ هلْ باتتْ دماءُ أطفالِ غزةَ أرخصَ منْ صمتِكمْ؟ هلْ أصبحتْ كرامةُ الأقصىٰ أهونُ منْ مصالحِكمْ؟ هلْ غابتْ عنْكمْ آياتُ القرآنِ التي تأمرُ بِالجهادِ في سبيلِ اللهِ، وبِنصرةِ المستضعفينَ، وبِالبراءةِ منْ أعداءِ الدينِ؟
لبيكَ ربي وإنْ لمْ أكنْ بينَ الزحامِ ملبيًا، لبيكَ وإنْ لمْ أكنْ على عرفاتٍ مناجيًا، لبيكَ وإنْ لمْ أكنْ معَ الطائفينَ داعيًا، لبيكَ وإنْ لمْ أكنْ بينَ الصفوفِ مصليًا، لبيكَ وإنْ لمْ أكنْ بينَ الحجاجِ ساعيًا إنها لبيكَ الروحِ التي تُحلقُ في فضاءاتِ العبادةِ، لِتُعلنَ أنَّ الحجَّ ليسَ مجردَ مناسكَ تُؤدىٰ بِالجسدِ، بلْ هوَ حالةٌ منَ التسليمِ المطلقِ، وعهدٌ متجددٌ بِالطاعةِ والولاءِ، يُمكنُ أنْ يُعاشَ في كلِّ لحظةٍ، وفي كلِّ مكانٍ. لكنَّ هذهِ “لبيكَ” لا تكتملُ إلا بِـ”لبيكَ” أخرىٰ: لبيكَ لِغزةَ، لِفلسطينَ، لِكلِّ مستضعفٍ.
فيا أمةَ الإسلامِ، استفيقوا قبلَ فواتِ الأوانِ لِيكنْ هذا الموسمُ المباركُ بدايةَ صحوةٍ، لا نهايةَ لِسباتٍ لِتكنْ “لبيكَ” صرخةَ حقٍّ تُزلزلُ عروشَ الظالمينَ، ونورًا يُضيءُ دربَ النصرِ. فاللهُ سيسألُنا ماذا قدمنا، و”لبيكَ” هيَ إجابتُنا، فعلًا لا قولًا، سعيًا لا جمودًا، نصرةً لا خذلانًا.
#الحملةالدوليةلفك حصار مطارصنعاء
#اتحاد كاتبات اليمن