النموذج السياسي المتحول في عراق مابعد  2003 مشعان الجبوري انموذجاً

   بقلم _ قاسم الغراوي

رئيس مركز انكيدو للدراسات 

 

مشعان الجبوري هو حالة تمثل ظاهرة “السياسي القابل للتشكيل” وفقًا للمناخ العام. وقد يفلت من المحاسبة بسبب موقعه المتذبذب وتحالفاته المتبدلة، بالإضافة إلى دوره الإعلامي الذي يُستخدم أحيانًا كأداة ضغط أو تلميع لجهات معينة. لكن هذه الحالة، وإن كانت لا تخصه وحده، تظل دليلاً على ضعف منظومة المحاسبة السياسية والإعلامية في بيئة مضطربة مثل العراق.

 

مشعان الجبوري يُعدّ من الشخصيات السياسية والإعلامية المثيرة للجدل في العراق، وقد عُرف بتبدل مواقفه السياسية وتحالفاته بشكل لافت على مدى سنوات.

 

اولا : السبب في تلونه وتغير مواقفه:

1- الانتهازية السياسية: كثيرون يرون أن مشعان الجبوري يُغيّر مواقفه بناءً على مصلحته الشخصية أو ميزان القوى في اللحظة السياسية، وهذا ما جعل بعض المتابعين يصفونه بـ”الانتهازي”.

2- مرونة خطابية لتحقيق نفوذ: يتنقل بين الخطابات القومية، السنية، الوطنية، وحتى الشعبوية أحيانًا، حسب الجمهور المستهدف.

3- النجاة السياسية: في بلد مثل العراق، تتغير المعادلات السياسية والأمنية بشكل متسارع، مما يدفع بعض السياسيين إلى “إعادة التموضع” الدائم لضمان بقائهم ضمن اللعبة السياسية.

 

ثانيا : تصريحاته الجدلية

في احد الصور، نشر مشعان الجبوري قصيدة تمدح أحمد الشرع (المعروف بأبي يزن الشامي، ( ابو محمد الجولاني) الناطق باسم هيئة تحرير الشام)، وهي خطوة أثارت دهشة كثيرين، خصوصًا أنه سابقًا لم يكن قريبًا من هذا التيار. هذا يعكس إما:

1- إعادة اصطفاف مع محور إقليمي معين يريد إبراز المعارضة السورية بمظهر مختلف.

2- رسالة إعلامية موجهة إما للجمهور العربي أو لحلفاء سابقين له.

 

ان دور مشعان الجبوري عبر مراحل في التاريخ السياسي العراقي الحديث، وكيف تنقّل بين المحاور، ولماذا لم يُحاسب رغم كثرة تصريحاته المثيرة للجدل.

 

مر الجبوري بثلاث مراحل وهي :

المرحلة الأولى: ما بعد 2003 – منبع النفوذ والعودة من المنفى

كان مشعان الجبوري بعثيًا سابقًا ومقرّبًا من النظام السابق وبعد سقوط نظام صدام حسين، لجأ إلى سوريا، حيث بدأ نشاطًا إعلاميًا واسعًا من خلال قناة “الزوراء” التي كانت تبث خطابًا معاديًا للاحتلال الأمريكي وعدم اعترافه بالعملية الديمقراطية بعد سقوط النظام البعثي .

 

مواقفه في هذه الفترة:

-دعم “المقاومة المسلحة” ضد الأمريكان، خصوصًا “السُنية” منها.

-انتقد الأحزاب الشيعية والكردية بقوة، بل اعتبر العملية السياسية كلها غير شرعية. وبعد ملاحقته بتهم “التحريض على العنف” و”تمويل الإرهاب”، أُغلق نشاطه الإعلامي في سوريا، لكنه حافظ على وجوده السياسي من الخارج.

 

المرحلة الثانية: ما بعد 2010 – العودة التدريجية و”تبييض” الخطاب

العودة إلى العراق مستفيدًا من صفقات سياسية وضمانات من أطراف نافذة.حيث أصبح نائبًا في البرلمان ضمن تحالفات مفاجئة، أبرزها مع أطراف شيعية (مثل “ائتلاف دولة القانون” في فترة معينة).

 

التحولات حيث تحوّل من خطاب طائفي إلى خطاب “وطني”.وبدأ يتحدث عن “الدولة” و”الوحدة الوطنية” و”التعايش”، رغم ماضيه الصاخب. ودخل ضمن اللعبة السياسية عبر تحالفات.كما تبنّى خطابًا مهادنًا للسلطة، وظهر وكأنه “تابعٌ نافع”، أي مفيد لجهات تمتلك القرار. واعتقد تم التغاضي عن ماضيه مقابل تقديم “خدمات سياسية أو إعلامية” لبعض القوى.

 

المرحلة الثالثة: ما بعد 2014 – داعش، والحشد، والفرصة الأخيرة للبقاء

موقفه من داعش: تميّز خطابه في هذه الفترة بـ”التملص” من دعم أي تنظيم متطرف في وقت سابق مجد تنظيم القاعدة على اعتبار انها مقاومة للتواجد الامريكي في وقت كانت تستهدف الشعب العراقي في كل مكان .

بعدها بدأ ينتقد “داعش” في وفت كان يمتدحهم ،ولكن دون تبنٍ واضح لخطاب الحشد أو اي محور .

 

خطاب التوازن والقلق:

أحيانًا يدافع عن السنّة الذين يصفهم بـ”المظلومين”. وأحيانًا يمدح الحشد أو ينتقد الطائفية، حسب الجمهور والمنصة.

 

اما لماذا بقي فاعلاً؟ فنعتقد الذكاء الإعلامي: لديه قدرة على إعادة تقديم نفسه كلما تغيرت الظروف. والبراغماتية التي يتمتع بها ولا يتردد في التحول 180 درجة إن ضمنت له بقاءً أو نفوذًا. وكذلك غياب المحاسبة المؤسسية اذ لا توجد آلية فعالة في العراق تلاحق من يُغيّر موقفه لأسباب نفعية.

 

اما لماذا لم يُحاسب ؟ السبب لأنه:

ليس الوحيد الذي يتغير، بل هناك طبقة سياسية كاملة تشبهه.كما النظام السياسي في العراق قائم على التوافقات لا على المحاسبة. وهو لا يشكل تهديدًا فعليًا للقوى الكبيرة، بل قد يكون أداة لبعضها.

 

وهناك اسباب اخرى منها :

1- الحماية السياسية: قد يكون لديه دعم من جهات نافذة أو توافقات ضمنية مع أطراف قوية، مما يجعله بمنأى عن الملاحقة القانونية أو السياسية.

2- توظيفه إعلاميًا: يمتلك حضورا إعلاميًا قويًا، ما يجعله أداة تُستخدم أحيانًا لتوجيه رسائل أو شن حملات إعلامية ضد خصوم.

3- تعدد الولاءات والانتماءات المؤقتة: لا يمكن حصره في تيار أو محور واحد، وهو ما يجعله دائم الحركة، مما يُصعب على جهة معينة أن تحاسبه دون أن تصطدم بتشابك علاقاته.

4- في وقت كانت فيه الدولة العراقية ضعيفة، والاصطفافات الطائفية في أوجها، كانت مواقفه تجد دعمًا في بعض الأوساط السنية.

 

5- ربما استُخدم إعلاميًا في مرحلة معينة كأداة لمعادلة خطابات شيعية أو كردية.

 

مشعان الجبوري يمثل “السياسي النموذجي” المتلون في بيئة الفوضى:

لا مبادئ ثابتة، تحالفات مرنة، استعمال دقيق للإعلام، وذكاء في اختيار اللحظة المناسبة للظهور. وكم من هؤلاء تحتضنه الساحة السياسية دون ان يحاسب !؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى