وزارة التعليم العالي بين الماضي والحاضر الدكتور نعيم العبودي أنموذجًا
بقلم _ الدكتود. سعد محمود المسعودي
بدأ تأريخ مؤسسات التعليم العالي في العراق عام 1908 بتأسيس مدرسة الحقوق (التي أصبحت لاحقًا كلية الحقوق)، ثم توالى تأسيس الكليات الأخرى، مثل دار المعلمين العالية (التربية حاليًا)، وكلية الطب عام 1927، التي تبنّت في مناهجها النموذج البريطاني العريق. ظلّ التعليم العالي تابعًا لوزارة المعارف، ثم وزارة التربية والتعليم، حتى تأسست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 1970، إيذانًا بمرحلة جديدة أكثر تنظيمًا واستقلالًا للمسيرة الأكاديمية.
ومنذ ذلك الحين، تعاقب على هذه الوزارة المهمة عدد من الشخصيات البارزة، مثل:
الدكتورة سعاد خليل إسماعيل، أول وزيرة للتعليم العالي في العراق هشام الشاوي (15 أيار 1972) غانم عبد الجليل (11 تشرين الثاني 1974)محمد صادق المشاط (1977)محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، والدكتور جابر عمر، والسيد هديب الحاج حمود، وغيرهم من الأسماء التي ساهمت في رسم معالم الوزارة لقد كانت هذه الوزارة، ولا تزال، العمود الفقري للنهوض العلمي، والمرآة التي تعكس صورة العراق الحضارية.
الدكتور نعيم العبودي: روح جديدة في جسد التعليم العالي في 27 تشرين الأول 2022، تسنّم الدكتور نعيم العبودي حقيبة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ليشكّل نقطة تحوّل نوعية في تاريخ الوزارة. ومنذ توليه المنصب، شهدت الوزارة قفزات ملموسة على مستوى الأداء، والبرامج، والانفتاح الإقليمي والدولي.
جاء الدكتور العبودي بروح إصلاحية عصرية، مدفوعة برؤية إستراتيجية طموحة. فتم تطوير ملف الابتعاث العلمي ليواكب أرقى النظم العالمية، وعُززت الشراكات الأكاديمية، مما ساهم في استقطاب أكثر من 6700 طالب عربي وأجنبي إلى الجامعات العراقية رقم لم يُسجل في تاريخ الوزارة منذ أكثر من عقدين. هذا التقدم لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة جهدٍ دؤوب، ورؤية واضحة، وإيمان عميق بأهمية أن تكون الجامعات العراقية بيئة جاذبة للعلم والبحث اليوم تستعيد الجامعات العراقية مكانتها شيئًا فشيئًا، وتُصنف في مصاف الجامعات المعترف بها إقليميًا ودوليًا، ما يؤشر إلى نضج إداري ومهني جديد تقوده قيادة متمكنة وواعية.
ليس الدكتور العبودي غريبًا عن ميادين العطاء. فهو مجاهدٌ من طراز خاص، عُرف بصلابته في الدفاع عن العراق وسيادته، كما عُرف بثباته على المبادئ سواء في ساحات القتال أو في دوائر القرار. وتلك الروح الترابية المتواضعة التي يحملها لم تتغير رغم تقلّده منصبًا وزاريًا، فظلّ قريبًا من الناس، صادقًا مع ذاته، عازمًا على تحقيق نهضة تعليمية لا مجاملة فيها.
من يراقب اختياراته لكوادر الجامعات العراقية، يلمس الدقة والموضوعية في التعيين، من أقصى العراق إلى أقصاه. لا محسوبية، لا مفاضلة بلا كفاءة، بل رؤية تعتمد التمكين والجدارة.
حركة الصادقون: من القتال إلى البناء
ولا يمكن فصل هذا الجهد الوزاري عن الإطار الأوسع الذي تمثله حركة الصادقون، التي أثبتت قدرتها في ميادين الدفاع والسياسة معًا. فهي لم تكن مجرد فصيل مقاوم، بل مدرسة في الوفاء والعمل، قدمت الشهداء، ثم القادة، ثم الإداريين النزيهين الذين لم تُسجل بحقهم ملفات فساد أو إخفاق إداري. ويكفي أن ننظر إلى الوزارات التي أسندت إلى هذه الحركة لنعرف أن الوطن ما زال بخير، وأن هناك من يحمل همومه بصدق، بعيدًا عن الضجيج والمصالح الضيقة.
كلمة أخيرة
إن الحديث عن شخصية مثل الدكتور نعيم العبودي لا يُختزل في مقال، ولا يُحاط بمجرد سطور. هو رجل بحجم مرحلة، ووزيرٌ بحجم تطلعات وطن. وإنني إذ أكتب عنه اليوم، لا أضيف إلى رصيده شيئًا، بل أضيف لنفسي شرف التوثيق والإشادة برجل يستحق.
أسأل الله أن يسدده، وأن يأخذ بيده إلى مزيد من الإصلاح والإنجاز، وأن يُبقي هذه الروح الوطنية الخالصة منارة للأجيال القادمة.