من العادة إلى العبادة: خطر تقديس المألوف وغياب المساءلة الدينية

بقلم _ الشيخ مجيد العقابي

إذا كان بعض الفضلاء – وليسوا من عامة الطلبة أو المبتدئين – يُسارعون إلى تبني ممارسات أو مواقف دون مستند شرعي بيّن، بل لمجرد أنها أصبحت مألوفة عرفًا أو شاعت بالتقليد الاجتماعي، فماذا تُرك لعامة الناس؟

وإذا كان هذا دأب من يُفترض أنهم أهل الفقه والتمييز، فكيف يُلام المقلّد أو العامي إذا اتّبع ما وجد عليه بيئته أو محيطه؟

ولذلك يُحذّر المفكر محمد أركون من أن تتحول بعض النصوص والممارسات الدينية إلى ما يشبه العقيدة الكاثوليكية؛ أي أنها تُقدّس وتتوارث دون نقاش، وتُمنع مساءلتها، ولو لم تكن نابعة من أصل النص الشرعي القطعي، بل ربما نشأت من ظروف ظرفية، أو اجتهادات بشرية، أو انطباعات مجتمعية.

وهذا – للأسف – ما نُشاهده في كثير من طباعنا الدينية، ولا أقول شعائرنا بالضرورة، لأن الشعيرة لها أصل تعبّدي مشروع، بينما الطباع تُنتجها الثقافة المغلقة والتقليد المتوارث.

فكثير من الناس اليوم لا يزالون يعيشون في ظلّ عقلية الجاهلية الأولى، حيث تسود عبارة:

“إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون”،

حتى وإن خالف ذلك العقل، أو النص، أو مقاصد الشريعة، أو متطلبات الوعي الحضاري.

إن الجمود على المألوف لا يصنع دينًا، ولا يحفظ هوية، بل يُنتج كهوفًا ذهنية يتعبد فيها الناس لعادةٍ باسم العبادة، ويُحاربون كل دعوة للتفكّر والتجديد وكأنها تهدد أصل الدين، بينما الخطر الحقيقي يكمن في هذا التماهي مع ما لا أصل له.

 

الشيخ مجيد العقابي

مركز الفكر للحوار والإصلاح

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى