حديث الإثنين : أمريكا أم الإجرام

بقلم _ احمد ناصر الشريف 

صحيفة 26سبتمبر العدد 2411

   02 حزيران/يونيو 2025 م

أرادت أمريكا وإسرائيل من خلال عدوانهما على اليمن أن تجعلا من اليمن حقل تجارب لأسلحتهما الحديثة لتستفيد منه مراكز الأبحاث العسكرية العالمية مستغلة وقوف الشعب اليمني قيادة وقوات مسلحة إلى جانب الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وجعل هذا الموقف الديني والوطني والإنساني ذريعة لتشديد العدوان عليه خاصة بعد أن أصبح اليمن هو من يمثل محور المقاومة وبقي بمفرده في مواجهة أمريكا والكيان الصهيوني وكان يفترض أن يحظى هذا الموقف العظيم لليمن إلى جانب الشعب الفلسطيني بدعم عربي وإسلامي ولكن مع الأسف الشديد فقد تم تجاهله بل والوقوف ضده ولا يعني أحد مصير الشعب اليمني الذي كان ولا يزال يتعرض للقصف حيث تتساقط عليه صواريخ وقنابل أمريكا العظمى التي تزود بها الكيان اللقيط فضلا عما قامت به أمريكا من قصف بغية تدمير البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة وقتل الأرواح وكذلك ما قامت به إسرائيل مؤخرا عندما قصفت مطار صنعاء للمرة الثانية ودمرت الطائرات المدنية التي لا ذنب لها سوى أنها كانت جاثمة في مدرج المطار، وكل ذلك في نظر أمريكا حق مشروع لها ولربيبتها إسرائيل تحت طائلة الشرعية الدولية ذات المعايير المزدوجة والنظام العالمي الجديد.

وعندما تقوم الإدارة الأمريكية عبر أدواتها في المنطقة بكل هذا العبث بالقيم والمثل العليا والأخلاق إن كان بقي هناك من قيم ومثل وأخلاق فإن آلة الإعلام الأمريكي لا تكلف نفسها عناء البحث عن الحقيقة والدفاع عن عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ الذين يحرقهم سلاح الدمار والقنابل الذكية التي تخترق أماكن تواجدهم وتحيلهم الى كتل من الحمم سواء في قطاع غزة التي ترتكب فيه جرائم الإبادة الجماعية على مدار الساعة أو ما حدث ويحدث في اليمن سابقا ولاحقا وخير شاهد ما حدث في صالات الأعراس والعزاء والسجون والأعيان المدنية ومراكز الإيواء والموانئ والمطارات في ظل صمت دولي مريب، كما أن الإعلام الأمريكي والغربي بشكل عام لا يكتفي هو الآخر بالصمت فقط عن هذه المحارق والمجازر المروعة التي ترتكبها أمريكا وإسرائيل في اليمن وقطاع غزة كجرائم حرب في حق شعبين ذنبهما الوحيد أنهما يدافعان عن نفسيهما وعن حقوقهما المشروعة وعن السيادة والاستقلال ورفض التبعية للغير، بل يقوم هذا الإعلام المبرمج بتحريض آخرين لارتكاب الأعمال البشعة غير المعهودة من دولة كبرى تدعي أنها حامية لحقوق الإنسان وأنها زعيمة العالم الحر وهي في نفس الوقت تشيع المزيد من تعميق الكراهية بين الشعوب والديانات وتروج للأفكار المريضة التي تدعو لصراع الحضارات بدلا عن الحوار والتسامح وعندما يأتي الرد الدفاعي اليمني المشروع على هذه الجرائم البشعة تقوم الدنيا ولا تقعد ويجتمع مجلس الأمن الدولي ويسارع بإدانة اليمن وشعبه ويصفه بالمعتدي دون حياء أو خجل.

وكم هو مثير للسخرية أن تدعي إسرائيل بأن الطائرة المدنية التي دمرتها في مطار صنعاء عقب قدومها من الأردن وهي تستعد لحمل الحجاج إلى الأراضي المقدسة كانت قادمة من إيران تحمل أسلحة وإرهابيين على حد زعم تصريحات المسؤولين الصهاينة ومن يصدقهم من العملاء والمرتزقة متجاهلين بأن ما يتعرض له اليمن من عدوان أمريكي صهيوني وكذلك من قبل تحالف العدوان الذي تقوده السعودية والإمارات تحت الإشراف الأمريكي الذي مضى عليه عشرة أعوام ولا يزال قائما هو بسبب أن الشعب اليمني شهد ثورة شعبية أصبحت حديث العالم قادتها طليعة سياسية في غمار اندفاعة شعبية كبيرة أوصلتها إلى النصر المحتوم فقضت على عهد التسلط والوصاية الخارجية رغم شراسة الأعداء الذين اصطفوا في تحالف دولي ضدها وشنوا على اليمن وشعبه عدوانا ظالما قل مثيله وهو ما يؤكد أن اليمن يجتاز مرحلة نادرة في وضعه بعد أن اصبحت ثورته الشعبية في موقع لا يقهر بفضل التضحيات الباهظة التي عبدت لها الطريق في ظل هدي المسيرة القرآنية وأن أصداء انتصاراتها المتحققة التي يسطرها أبناء القوات المسلحة اليمنية بمختلف أفرعها في مختلف الجبهات على المستوى الداخلي وكذلك ما تقوم به القوات الصاروخية والطيران المسير من توجيه ضربات مسددة وناجحة في عمق الكيان الصهيوني وخوض المعركة البحرية مع حاملات الطائرات الأمريكية وقطعها الحربية المرافقة لها في البحرين العربي والأحمر وإجبارها على الانسحاب قد تخطت الحدود الوطنية إلى آفاق أبعد وأوسع بفضل العقول اليمنية التي تصنع الحياة الجديدة وتعيد لليمن مكانته التي عرف بها عبر تاريخه الناصع والمشهود له ممن أرسله الله رحمة للعالمين النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بالإيمان والحكمة.

وذلك بعكس كل الثورات التي شهدها اليمن خلال العقود الماضية التي كانت ترفع شعارات براقة لم تطبق على ارض الواقع لدرجة أن الأنظمة اليمنية السابقة ارتمت في أحضان الغير ورهنت قرار اليمن السياسي للخارج بالكامل وهو ما يتوافق مع وجهة نظر الدكتور حسن مكي رئيس الوزراء الأسبق في الحوار الذي أجريته معه ونشر في (صحيفة 26 سبتمبر) قبل وفاته رحمه الله حيث قال: إن ثوار 26 سبتمبر عام 1962م استطاعوا أن يخربوا الجدار ولكنهم فشلوا في إعادة بنائه بسبب سيطرة القوى التقليدية على مقاليد الأمور ويقصد أنهم نجحوا في القيام بالثورة وفشلوا في بناء الدولة الحديثة التي قامت الثورة من أجل تحقيقها بينما في الدول الأخرى يتحدثون عن المستقبل بثقة ويعتقدون أن ما سيأتي به هو الأفضل ونحن نتراجع إلى الوراء حيث أصبح نصف أبناء الشعب اليمني بعد اكثر من ستة عقود على قيام الثورة مهاجرين في الخارج بحثا عن لقمة العيش وهم الذين كانوا موعودين من ثوار ثورة 26سبتمبر بأنهم سيخرجونهم من الظلمات إلى النور ويحررونهم من نظام كهنوني متحجر غير منفتح على الآخرين حسب ما كانوا يروجونه إعلاميا لتبرير القيام بالثورة التي عجزوا عن الدفاع عنها فاستقدموا جيش خارجي ليدافع عنها ويحميهم وبعد انسحابه ارتموا في أحضان عدو الثورة الذي حاربها منذ أول يوم لقيامها وسلموه قرار اليمن السياسي ليكون هو الحاكم بأمره فجعلوا من اليمن الأخير في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج بعد أن كان قبل قيام الثورة الأول في المنطقة بغض النظر عن ظروف تلك الفترة التي كانت متشابهة قبل أن يأتي النفط ويغير حياة المجتمعات البدوية في الجزيرة والخليج مما جعلهم يبددون ما أنعم الله عليهم به من ثروات لمن لا يستحقها ويستخدمونها لتصدير الفتن إلى الشعوب الأخرى خدمة لمصالح أسيادهم في أمريكا وبريطانيا اللتان صنعت أنظمتهم وتكفلتا بحمايتهم والدفاع عنهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى