استخدام المال الحكومي في الحملات الانتخابية في العراق … فساد معلن يهدد الديمقراطية

كنوز ميديا – خاص

في ظل الانتقال السياسي الهشّ الذي يشهده العراق، يظلّ استغلال المال العام في الدعاية الانتخابية من أبرز صور الفساد السياسي والإداري. وهو ممارسة تعرقل مبدأ تكافؤ الفرص الديمقراطي، وتُقوّض شرعية العملية الانتخابية برمتها، ما يدفع إلى التساؤل: إلى أي مدى تُسخّر موارد الدولة لصالح جهات حزبية على حساب الإرادة الشعبية؟

أنماط وأدوات استغلال المال الحكومي في الانتخابات

تتعدد أساليب استخدام المال العام في الترويج الانتخابي، ويتداخل فيها الإداري بالخدمي، والإعلامي بالمالي، ما يُصعّب أحيانًا رصدها بدقة. ومع ذلك، يمكن تحديد أبرز هذه الأساليب على النحو التالي:

1. استغلال المرافق الحكومية

🔹 استخدام سيارات، مبانٍ، أو مكاتب حكومية لأغراض الدعاية أو التنقل الانتخابي.
🔹 إشراك موظفين حكوميين في التنظيم اللوجستي للحملات خارج أوقات الدوام، أو حتى أثناءه.

2. تحويل الأموال التنموية إلى دعاية

🔹 رصد مبالغ من ميزانيات المحافظات أو الوزارات لمشاريع ظاهرها خدمي، وباطنها ترويجي انتخابي.
🔹 إقامة فعاليات رسمية أو شبه رسمية بتمويل حكومي لتلميع صورة مرشحين متنفذين.

3. شراء الولاءات عبر “مساعدات مغلفة”

🔹 توزيع “مساعدات إنسانية” أو بطاقات تموينية قرب موعد الانتخابات من قبل شخصيات رسمية.
🔹 افتتاح مشاريع خدمية قبيل الانتخابات تُربط دعائيًا باسم المرشح رغم تمويلها من الدولة.

4. تسخير الإعلام الرسمي

🔹 بثّ تقارير إعلامية تمجّد شخصيات حكومية مرشحة للانتخابات.
🔹 التعتيم الإعلامي على حملات منافسين أو منع تغطيتها في بعض المناطق.
الآثار المترتبة على الديمقراطية والمجتمع

هذه الممارسات لا تقتصر على انتهاك القوانين، بل تؤسس لتشوهات هيكلية في العملية الانتخابية، أبرزها:

🔹 انعدام الثقة بالعملية الديمقراطية، ما يؤدي إلى ضعف المشاركة الشعبية وارتفاع معدلات الامتناع عن التصويت.
🔹 إضعاف فرص المرشحين المستقلين أو الأحزاب الناشئة غير المدعومة من الدولة.
🔹 ترسيخ الفساد الإداري والمالي داخل مؤسسات الدولة المرتبطة بالانتخابات.
🔹 تحويل مؤسسات الدولة من أدوات خدمة عامة إلى أدوات نفوذ انتخابي.

الإطار القانوني والرقابي في العراق
يجرّم القانون العراقي هذه الممارسات صراحة، لكن الفجوة بين النص والتطبيق تبقى كبيرة:

اما تشريعيا فقانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020 يمنع استخدام المال العام أو ممتلكات الدولة في الدعاية الانتخابية.

قانون هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية يخول الهيئتين مراقبة التمويل والإنفاق العام.

فيما يخص تطبيق القوانين هنالك تحديات منها
🔹 ضعف الإرادة السياسية في تنفيذ القوانين بحق المتنفذين.
🔹 غياب استقلالية بعض الهيئات الرقابية، أو تعرضها لضغوط سياسية.
🔹 ترهيب أو تهميش المبلغين عن المخالفات، ما يقلل من الإبلاغ والمساءلة.

في الدول الديمقراطية الراسخة، يُعد استخدام المال العام لأغراض انتخابية جريمة انتخابية كبرى يعاقب عليها القانون بالعزل أو السجن.
مثلًا: في الولايات المتحدة، يُشترط تسجيل كل مبلغ يُنفق في الحملة بدقة، ويُمنع التمويل الحكومي المباشر.

في الهند، يخضع استخدام الموارد العامة لمراقبة دقيقة من لجنة الانتخابات المستقلة، ويُمنع على المسؤولين الحكوميين استخدام سلطتهم لدعم حملاتهم.

التوصيات والإجراءات المقترحة
لوقف هذا النمط المتكرر من الفساد، توصي المؤسسات الرقابية والخبراء بـما يلي:

🔹 تعزيز استقلالية مفوضية الانتخابات وتمكينها من اتخاذ قرارات رادعة بلا تدخل سياسي.
🔹 إجراء تحقيقات شفافة ومستقلة عند الاشتباه في استخدام المال العام انتخابيًا، مع كشف نتائجها للرأي العام.
🔹 سنّ تشريعات إضافية تُصنّف هذا النوع من المخالفات كـ “جريمة انتخابية جسيمة” يُعاقب عليها بالعزل الفوري.
🔹 تمكين الإعلام والمجتمع المدني من رصد المخالفات والإبلاغ عنها دون خشية من الملاحقة أو التضييق.
🔹 إنشاء منصة رقمية مستقلة لرصد الإنفاق الانتخابي للمرشحين والجهات الممولة.

إن محاربة استغلال المال الحكومي في الانتخابات ليست قضية قانونية فقط، بل قضية أخلاقية ووطنية. فهي تمسّ جوهر الديمقراطية وتُحدد من يحكم، وكيف يُحكم. ومن دون مساءلة جادّة ورقابة فعّالة، ستظلّ الانتخابات في العراق صندوقًا يُملأ بما يُراد، لا بما يُمثّل إرادة الناس.ع666

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى