فلسفة الدين في الحب

بقلم _ ريما فارس

الحب في الدين ليس غريزة طائشة، بل عبادة تتطهّر بالنية، وتسمو بالقصد، وتورق إذا سُقيت من معين الوحي. الأديان لا تأتي لتكبت الحب، بل لتدلّله على الطريق، أن يحبّ دون أن ينكسر، ويشتعل دون أن يحرق، أن يسكن النفس دون أن يسرقها من الله.

وما من سورة تُنبئ عن هذا التوازن مثل سورة النساء، تلك التي جاءت في مطلعها بوصف كينونة العلاقة بين الرجل والمرأة لا بوصفها علاقة جسد، بل علاقة أصل ومصير، إذ يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 1].

إنها ليست مجرّد آية عن الخلق، بل إعلان فلسفي أن الحب ليس طارئًا على الوجود، بل من جوهره. فخلق الزوج من النفس الواحدة يعني أن الحب هو رحلة عودة إلى الأصل، إلى النفس التي فُطِرنا منها.

والرسول الأكرم ﷺ، الذي فهم النفس البشرية بأرقى صورها، لم يكن يخجل من الحب، بل كان يُجهر به، ويقول بفخر:
“حبب إليّ من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة.”
هنا نرى كيف ارتبط حب المرأة بالصلاة، كلاهما “قرة عين”؛ أي أنهما راحة وسكن وسرور القلب. لم يفصل النبي بين الحب والدين، بل جعله من باب التقرّب، من باب الطيب، من باب ما يحبّه الله.

وفي حديثه الآخر قال ﷺ:
“استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عوانٌ عندكم.”
وهذا ليس مجرد وصية أخلاقية، بل قاعدة في فلسفة الحب الديني: أن يُبنى على الرعاية، لا التسلّط، على اللين، لا القسوة. المرأة ليست كائنًا يُملَك، بل أمانة تُراعى، وعهد يُصان.

إن فلسفة الحب في الدين ليست أن تحب فقط، بل أن تكون مسؤولًا عن هذا الحب، أن ترعاه كما ترعى صلاةً لا تضيّعها، أو وردًا لا تهمله. الحب عبادة إذا أُدّيَت بخشوع، قرّبتنا من الله، وإذا فُهِمَت بعاطفة بلا عقل، أوردتنا المهالك.

الحب في منظور ديني سامٍ هو لقاء الأرواح في ساحة الطهر، لا شهوة منقطعة، بل وصلٌ لا ينفصل عن السماء. فكما قال بعض العارفين:
“الحب الحقيقي هو ذاك الذي يقودك إلى الله، لا ذاك الذي يقطعك عنه.”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى