لا تضحّوا بالنظام من أجل فتات المال
بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي
في خضم النقاشات اليومية والضغوطات المعيشية التي يعيشها المواطن العراقي، قد يشعر البعض بالظلم لأن الحكومة لم تُضفِ على راتبه الشهري زيادة قدرها 50 ألف دينار، وقد يرى في ذلك تقصيرًا أو إهمالًا لحقوقه. لكن لنتوقف قليلًا ونسأل: هل يُعقل أن نُضحي بنظامٍ قائم على إرادة الأغلبية، ونفتح الأبواب لأعداء الوطن، من أجل بضعة دنانير؟ هل من المنطق أن نبيع الأمن الذي تحقق بعد سنوات طويلة من الحروب والدماء والدموع، بثمن بخس لا يُقارن بالتضحيات الجسام التي قدمها ملايين الشهداء؟
اعلم جيدًا أن من يسعى اليوم لإسقاط النظام الديمقراطي – سواء عبر الامتناع عن التصويت أو بدعم الخطاب التحريضي – يُمهّد الطريق لعودة أحلك المراحل التي مرّ بها العراق، حيث كان البعث والدواعش عنوانًا للرعب والدمار والاضطهاد. وإذا ما تحقق مرادهم وعدنا إلى تلك الحقبة، فاعلم أنك لن ترى راتبك الذي تطالب به، بل قد لا تُبقيك تلك الأنظمة حيًّا لترى شيئًا أصلًا.
أما من يظن أن الحديث بهذا الشكل مجرد عاطفة أو ولاء أعمى، فأنا أقولها بمرارة: أنا من أكثر المتضررين من الحكومات التي جاءت بعد المالكي. عانيت من قطع راتبي، ونُقلت قسرًا من مكان عملي، وحُوربت داخل المؤسسات الحكومية ولا ازال محارب حتى هذه اللحظة، ومع ذلك لم أفكر يومًا في خيانة خياراتي، ولم أسمح لنفسي أن أكون أداةً بيد من يسعى لتدمير هذا الوطن.
لماذا؟ لأن رؤية بناتي وأولادي يعيشون بأمان واطمئنان، دون خوف من اقتحام بعثي لدارهم، أو اعتقال أحدهم لأنه أطلق لحيته أو ارتدى قميصًا أسود، تعني لي كل شيء. لأنني لا أريد أن يُجبر أولادي على الالتحاق بخدمة عسكرية قسرية، ليقاتلوا في حروب لا شأن لنا بها، فقط لإرضاء طاغية يتلذذ بالدماء،او ان تجوع بناتي وهن يبحثن عن كسرة خبر في خبايا المطبخ لسد جوعهن،او مختبأت خوفا من سبيا او من عدوا شرس يهدد عفتهن.
نعم، هناك نقص في الخدمات، وتأخير في الرواتب، وانقطاع في الكهرباء، لكنها كلها مشاكل قابلة للحل لا تساوي 1% مما عنيناه في الحصار بزمن الطاغية لنصبر كما صبرنا في سنوات الحصار القاسية حتى يتحقق ما نطمح اليه من رفاهية . أما النظام الذي يُمثل استحقاق الشيعة ويضمن حقوقهم بعد عقود من التهميش، فلا يجب أن يكون ثمنًا تُدفعه مقابل غضب لحظي أو مصلحة شخصية ضيقة.
ليتذكر الجميع أن الظلم الحقيقي كان في زمن الطاغية المقبور، حيث كانت الحياة بلا كرامة، والحرية ممنوعة، والموت ينتظر الجميع لأتفه الأسباب. فلا تنخدعوا بالمزايدات ولا تُفرّطوا بمنجزات تحققت بتضحيات جسيمة.
مشاركتك اليوم في الانتخابات ليس رفاهية، بل مسؤولية شرعية ووطنية وأخلاقية. حافظ على صوتك، وكن جزءًا من حماية العراق، لا من تفكيكه.
ضياء ابو معارج الدراجي